للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمل أوّلُه استهلاكٌ بغير نتاج وأنت أخبر بهذا الأمر. فلم يبق إلا الصديق الذي يعين على نوائب الحق. . . . فبدأنا إصدار "العصور" يَعُولها الجِدُّ من قِبَلي، والعون من قبل الأصدقاء الكُتاب من أصحاب مذهبنا، والمَدَد من "جيب" الصديق الذي أبدى بشاشته، واستظهرها بعاجل البر، وسِرنا على اسم الله. فما كان إلا كلا ولا (١) حتى قلت كما قال الأول:

سعتْ نُوَب الأيام بيني وبينهُ ... فأقلعن مِنَّا عن ظلوم وصارخ

فإني وإعدادي لدهري "محمدًا" ... كملتمس إطفاء نار بنافخ

وأبيتُ أن أخفض عن نفسي أو أرُدّ غُلَواءَها، فرددتُ المالَ إلى صاحبه غير منقوص ولا مُهْتَضَم. وقلتُ إنّ أمرًا قضاهُ الله لابُدّ له من تمامٍ وأجل، وما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكنْ. وخيرُ الأمر أن ألجأ إلى الله ثم أستعين بما عندي على قضاءِ الحق الذي يقتضيه ما أقررت به على نفسي، وما أقررتها عليه في كلمة العدد الأول من "العصور". فلم أبخل ولم أتراجع، وأقدمتُ على إصدار العدد الثاني مستبشرًا مؤملًا راجيًا معتمدًا على ثقتي بالله، ثم ثقتي بحسنِ التقدير الذي لقيته. فلم يلبث أن لقَى العدد الثاني من "العصور" حفاوة الناس في كثير من بلاد العربية، ولكن هذه الحفاوة المستبينة في بيع مجلة -تكاليفها أكثر من دخلها بهذا البيع- لا يمكن أن تكونَ هي الرُّقية التي تجذب إليَّ رقاب المال من كهوف "البنك" فأحويها وأروضها وأتصرَّف فيها تصرُّف الناس فيما هُم به "ناس"! !

وقلت: عسى أن يقضي الله لأمرٍ ضاق بالفرج، وتوجهت بقلبي إلى الله، وبوجهي إلى من أتوسم فيه سمة "الخزانة" المُعَدَّة لاحتِجان المال (٢). ولكني وجدت القفل بعد القفل على الخزانة، وافتقدت المفتاح الذي يتسنى له كل مُغْلَق. إن هذا المفتاح ليس عندي، ولستُ أملكه، وما أحسبنى أرتضى -بعد أن جربت- أن أملكه أو أَحوزه. إنه لا يملكه إلا من قدّم رهينةً، والخُلُق


(١) كلا ولا: أي لحظة قصيرة خاطفة، أي بقدر الوقت الذي تستغرقه في نطق هذين الحرفين.
(٢) احتجان المال: إصلاحه وجمعه وضم ما انتشر منه.