للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكن كله فأكثره، فإن لم يكن أكثره فبعضه، وذلك أقل ما يجب على الأديب من حق الأدب وحق المعاصرة.

وقد جاءت الحرب الطاغية، فأوقدت عليَّ أفكارى فهي أبدًا تغلى بما فيها مما يخص وما يعم، ومما أسر به أو أعلنه، ومما أرضاه، أو ما أسخطه. وعلى ذلك أقرأ أفكار أصحابنا، وفي هذه الحال أتناول آراءهم وإنتاجهم، فإن وجدوا في بعض كلامي حرارة تحرق، فإن الذي ألقى من هذه الحرارة أشد مما يلقون. وأنا أقاسى فأتكلم، وهم يقرأون كلامي فيشعرون ثم يتناسى منهم من يتناسى، وفرق بين الحالين كبير. وقد قيل في المثل: "تحرقك النار أن تراها بله أن تصلاها".

ولم أزل كلما أخذت صحيفة أو مجلة أجد أصحابنا يعيشون في دنيا غير الدنيا، وينظرون في أشياء، لو أنصفوا لكفوا أنفسهم مؤونة الفكر فيها، فضلا عن الإلحاح عليها، فضلا عن معاناة الكتابة في أغراضها.

فلما سقطت باريس مدينة فرنسا تحت سطوة الجيوش الألمانية الغازية، لم أكد أتناول شيئا من ذلك إلا وجدت هؤلاء قد لبسوا الحداد، فهو في سطورهم حسرات، وذرفوا الدمع، فهو في كلماتهم قطرات، وتأوهوا وأنوا وتصدعت أكبادهم، وتزايلت أنفسهم، وأظلمت الدنيا في عيونهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت! ! وكأن كل أحد منهم قد أخذ أخذًا على أن يحمل القلم، ليثبت أن البكاء الذي في قلبه، يستحيل أيضا بكاء من قلمه.

لم يرد أحد منهم أن ينظر إلى الحقيقة التي يجب أن يفرض على نفسه طلبها والعمل لها. لم يرد أحد منهم أن يعرف أن الأدب أو ما يجرى مجراه -ليس هو الكلام يقال أو يكتب، وإنما هو في أصله وفي أخراه هو طلب الحقيقة وإظهار هذه الحقيقة، ثم يختلف الأسلوب على هذه الحقيقة. إن الأدب المصري أو العربي أو الشرقي عامة، قد فرضت عليه أمته أن يبحث لها عن حقيقتها هي، ليعلق لها هذه الحقيقة، في أسلوب بعد أسلوب، يكون من كل واحد منها أثر