للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشاركة بين الأفراد المستقلين بالإرادة والعزم، والحرص على اجتناب التخالف، واطراح الفرقة، ونبذ الهوى والعناد على الهوى.

وأمر الشعب هم أغمض الأمرين وأشدهما وأحقها بالرعاية والنظر والتدبير، فإن مصائب الشعوب قلما تكون فتراتها إلا جيلا أو أكثر يقع في خلاله من النقص والتدمير والضعف وذهاب النشاط الحافز، وطغيان الجهل المستبد، واضطراب أمر الجماعة ونظامها إلى ما وراء ذلك، يكون تحطما كاملا لأكثر الإنسانية الشعبية، وإذا تحطمت إنسانية الشعب في المصيبة أردفت وراءها مصائب، إذ يقع النسل إلى الحياة لتقتله الحياة بفتورها وبلادتها وقلة احتفالها ويتبدد ذلك النور الإلهي الذي يأتي مع المولود من وراء الغيب، ويبدأ يمشي في الحياة المظلمة بالبصر المكفوف عن النفاذ في أسوار المستقبل.

وعلاج الشعوب في هذه الحالات لا يتأتى ولا يمكن ولا يكون، إلا بعلاج الأفراد أنفسهم، وأخذهم بالجد في تدبير الحياة والاستعداد لها، وتحمل المشقات العظيمة في سبيل إيجاد الفرد الذي يستطيع أن يجعل في صدره قلبا جديدا أبدا بعد كل نازلة أو مصيبة، والقلب الجديد المتجدد هو سر الشعلة الذاهبة دائما إلى السماء سامية طامحة، مُطالبة بحقها في السمو، عالمة بواجبها في إضاءة الظلمات المتكاثفة من حولها بنور جديد.

أما استكانة الأفراد وإخلادهم للراحة واستمتاعهم باللذة وإغماضهم في طلب المنفعة الفرديه المستأثرة ونفضهم عن أنفسهم تكاليف النظر الاجتماعي الشعبى، ودبيبهم إلى الغايات بالخطو المسترق من أسماع الشعب لا يبالون أن يكون هلاك غيرهم من أمتهم في بعض ما يجتلبون به قليلا من أسباب الحياة لأنفسهم. . . فذلك كله جريمة بعيدة الأثر في قتل الروح المعنوية للشعوب وفي إيجاد المثل الأسوأ للنسل، بل هو سرقة صحيحة الشرط الذي يوجب عقابها. فالشعب كلٌّ كامل، فكل جزء منه انتفع بشيء كان من حق الجميع أن ينتفع به على تقدير حق الانتفاع، فذلك استبداد بحق الغير، واستلاب منه لما يوجب الاجتماع أن يكون على صورة بعينها ولغرض بذاته، وفي تسليمه بقدرتنا، وفي موضع هو له.