للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتداخل الناس وانتدبت أقوام لجمع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وضمه وتقييده، ووصل من البلاد البعيد إلى من لم يكن عنده، وقامت الحُجة على من بلَغه شيء منه، وجمعت الأحاديث المبينة لصحة أحد التأويلات المتأولة في الحديث، وعرف الصحيح من السقيم، وزيف الاجتهاد المؤدي إلى خلاف كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى ترك عمله، وسقط العُذر عمن خالف ما بلغه من السنن ببلوغها إليه، وقيام الحُجة بها عليه، فلم يبق إلَّا العِناد والتقليد.

وعلى هذه الطريقة كان الصحابة - رضوان الله عليهم - وكثير من التابعين يرحلون في طلب الحديث الأيامَ الكثيرةَ طلبًا للسُّنن والتزامًا لها، وقد رحل أبو أيوب من المدينة إلى مصر في طلب حديث واحد إلى عقبة بن عامر، وقد رحل علقمة والأسْوَد إلى عائشة وعمر، ورحل علقمة إلى أبي الدرداء بالشام، وكتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إليّ بما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومثل هذا كثير.

قال أبو عبد الله: فقد بيَّن - والحمد لله - وجه من ترك بعض الحديث، والسبب الموجب للاختلاف، وشفينا النفس مما اعترض فيها، ورفعنا الإشكال عنها، والله - عز وجل - المعين على البحث والهادي إلى الرشد بمنِّه.

وبهذا البيان كشف به هذا الإِمام في هذا الفصل صورة الحال في أسباب الاختلاف الواقع بين الصحابة فمن دونهم، صحَّ للأئمة المتقدمين - رضي الله عنهم أجمعين - وجوب طلب التصحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>