للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحيط ج ١ ص ٢٦٩): "الأمي: الذي لا يقرأ في كتاب ولا يكتب، نسب إلى الأم؛ لأنه ليس من شغل النساء أن يكتبن أو يقرأن في كتاب، أو لأنه بحال ولدته أمه لم ينتقل عنها، أو نسب إلى الأمة، وهي الخلقة، أو إلى الأمة؛ إذ هي ساذجة قبل أن تعرف المعارف". وأبو حيان هذا من أعلم الناس باللغة وعلومها في القرن الثامن.

وما لنا نذهب بعيدًا، وهذا كتاب الله قد وصف محمدًا - عليه السلام - بأنه "أمي" في سورة الأعراف كما قدمنا، ثم فسر معنى هذا الوصف في سورة العنكبوت، وهي سورة مكية أيضًا ما عدا الآيات (من ١ - ١١) منها، فقال في الآية [٤٨]: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}. وهذه السورة نزلت بعد الأعراف بوقت طويل؛ لأنها من آخر السور المكية نزولًا، بل إنه لم ينزل بعدها بمكة إلَّا سورة واحدة.

وقد ثبت بالتواتر الذي لا شك فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميًّا بمعنى أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وأن هذا من آيات نبوته؛ لأنه وهو أمي أتى بكتاب يعجز كل واحد من البشر، ويعجز الإنس والجن مجتمعين من أن يأتوا بسورة من مثله، وكان يتلوه على الناس، ويعاود تلاوته عليهم، لا يتغير منه حرف، ولا يختلف في كلمة {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢]. فإن الرجل الفصيح إذا ألقى كلامًا مرتجلًا غير مكتوب فلا يمكنه أن يعيده كله ولا أكثره بنصه وحروفه، وإن أمكنه أن يعيد كثيرًا من معانيه بعبارات أخرى، وهذا مشاهد

<<  <  ج: ص:  >  >>