للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَطِيْعُوْهُ فاتَّفَقَ مَجِيْءُ والِدِي مِنْ بِلَادِهِ صِحْبَةَ التُّجَّارِ صَغِيْرًا يَرْضَعُ اللَّبَنَ إِلَى مِصْرَ، وَأَهْدَاهُ عَزِيْزُ مِصرَ إِلَى الإِمَامِ أَبِي جَعْفَر المُسْتَنْصِرِ باللَّهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ والِدِ المُسْتَعْصِمِ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ" (١).

وحول وفاة والده يقول:

"وَلَمَّا وَصَلَ هُوْلَاكُو خان مَجْمُوعُ التَّتَارُ وَغَيْرهُمْ إِلَى بَغْدادَ اسْتَشْهَدَ والِدِي رَحَمَهُ اللَّهُ بِبزوْغَي في صَبِيْحَةِ يَوْمِ الخَمِيْسِ وَهُوَ عاشِرُ المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّمائَةَ هِجْرِيَّةَ بَيْنَ الصَّفْينِ. حَكَى لِي مَنْ شاهَدَهُ أَنَّهُ لَمَّا انْكَسَرَ عَسْكَرُ بَغْدادَ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُهُمْ حَتَّى قُتِلَ رَحمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. ما أَحِسَنَ قَوْلُ أَبِي تَمَّامِ:

فَتًى مَاتَ بَيْنَ الضَّرْبِ والطَّعْنِ مِيْتَةً ... تَقُوْمُ مَقامَ النَّصْرِ إِذْ فاتَهُ النَّصْرُ

وَقَدْ كَانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلًا فَرَدَّهُ ... إِلَيْهِ الحِفَاظُ المرُّ والخلقُ الوَعْرُ

فأَثْبَتَ فِي مُسْتَنْقَعِ المَوْتِ رِجْلَهُ ... وَقَالَ لَهَا مِنْ تَحْتِ أَخْمَصَكِ الحَشْرُ

تَرَدَّى ثِيابَ المَوْتِ حُمْرًا فَمَا أتَى ... لَهَا اللَّيْلُ إِلَّا وَهِيَ مِنْ سُنْدِسٍ خُضْرُ" (٢)

وقال عن ولد له أسماه عليًا توفي في بداية صباه:

"وُلِدَ في الثُّلْثِ الأَوَّلِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ صَفَرَ سَنَة ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ وسميته الهِلَالِيّةَ وُلَد سَمَّيْتهُ عَلِيًّا وكان في الخَلقِ والخُلقِ كامِلًا مَرْضِيًّا فَعَاشَ حَتَّى بَرَعَ وَحَدَقَ في كِتابَةِ الدُّسْتُوْرِ وَروايَةِ الأَشْعَارِ وَحُسْنِ الأَدَبِ فَلَمَّا بَلَغَتْ سنّهُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةَ شُهُوْرٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ يَوْمًا تَوَفَّى لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ في الثُّلْثِ الأَوَّلِ مِنَ اللَّيْلِ مِثْلِ وَقْتِ وِلَادَتِهِ سَوَاءً فَكَانَ في حَالِ حَياتِهِ لا يُجَرِّبُ قَلَمًا لَمَّا يبْرِيْهِ إِلَّا وَيَكْتُبُ:

إِنَّ الزَّمانَ الَّذِي مَا زالَ يُضْحِكُنَا ... أُنسًا بقربكُم قَدْ عَادَ يُبكينَا

وَلا أَمكنَ أَنْ يُنْشِدَ بَيْتًا عَلَى سَبِيْلِ التَّرْنِيْمِ إِلَّا أَنْشَدَهُ وَلا بَدَأَ بِكَلَامٍ إِلَّا بِهِ حَتَّى اعْتُبطَ


(١) الدر الفريد ١/ ٩ (خ).
(٢) م. ن، ديوان أبي تمام ٨٠ - ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>