للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُسْتَعْمَلٌ مُتَدَاوُلٌ، يَسْتَغْنِي بِإيْرَادِهِ اللَّبِيْبُ العَاقِلُ الفَاضِلُ، الكَامِلُ المُتَصَدِّرُ فِي المَحَافِلِ، المُتَصَدِّي لإِظْهَارِ الفَضَائِلِ عَنِ اخْتِرَاعِ أَلْفَاظٍ يُؤَلِّفُهَا، وَابْتِدَاعِ مَعَانٍ يَتَكَلَّفُهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يَرْفَعُهُ مِنَ العِلْمِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ، وَيُحِلُّهُ مِنَ الأَدَبِ فِي مَقَامٍ أعْلَى مِنْ مَنْزِلَتِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا اعْتَمَدَ فِي التَّمَثُّلِ وَالاسْتِشْهَادِ عَلَى الأَبْيَاتِ الأَفْرَادِ السَّائِرَةِ فِي البِلَادِ، الشَّارِدَةِ فِي كُلِّ نَادٍ وَوَادٍ، لأنَّ الشِّعْرَ أَوْلَى مَا تَحلَّى بِهِ الكَرِيْمُ، وَأَحْلَى مَا تَمَثَّلَ بِهِ الحَبْرُ العَلِيْمُ. يَدُلُّ عَلَى غَزَارَةِ المُرُوَّةِ، وَيَزِيْدُ فِي الوِدَادِ وَالأُخُوَّةِ، والبَسْطَةِ والقُوَّةِ، وَصِنَاعَةٌ بَارِعَة مِنْ أَدَوَاتِ الفُتُوَّةِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ لِلحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ لَمَّا حَرَّمَ الشُّعَرَاءَ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ إِلَى العِرَاقِ: أَجْزِ الشُّعَرَاءَ؛ فَإِنَّهُمْ يُحْيُوْنَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، وَيحضُّوْنَ عَلَى البِرِّ وَالسَّخَاءِ (١). وَإلَى هَذَا المَعْنَى نَظَرَ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ: [من الطويل]


(١) قال الشاعر:
تَجلَّت بما أَبْدَى الثَّرَى كُلَّ تَلعةٍ ... وَزَخْرَفَ مِنْ دُرّ الحَيَا جِيدهَا
نَتَاجُ أُمّ لم تَلِدْ قَطّ ناطِقا ... ولا كَانَ مِن غَيرِ السَّحابِ لَهَا
* * *

قِيْلَ وَكَانَ عُمَرُ بن عبد العزيز لَا يجفُّ فُوْهُ مِنَ التَّمَثُّلِ بِهَذَا البَيْتِ (١):
وَلَا خَيْر فِي عَبْدٍ إِذَا لَمْ يكُنْ لَهُ ... مِنَ اللَّهِ فِي يَوْمِ المعاد نصيبُ
وكان سعيد بن المسيب -رحمه اللَّه- يتمثل كثيرًا بهذا البيت:
وشقّ له من اسمه كي يجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمدُ
وَكَانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحَمَهُ اللَّهُ يُكْثِرُ التَّمْثيْل بِهَذَا البَيْتِ (٢):
يَسُرُّ الفَتَى مَا كَانَ قَدَّمَ مِنْ تُقًى ... إِذَا عَرَفَ الدَّاءَ الَّذِي هُوَ قَاتِلُه

<<  <  ج: ص:  >  >>