للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

سئل رضى الله عنه فقيل: ما يقال لمن يدّعى عند إقامة الدليل على حدث الجسم والجوهر والعرض شيئا ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض أحدث الله تعالى الأشياء منه؟ وما الّذي يفسد دعواه غير المطالبة له بالدلالة على صحتها!

الجواب، أول ما نقوله فى هذا الباب إن إحداث شيء من شيء غيره كلام محال ظاهر الفساد؛ لأن المحدث على الحقيقة هو الموجود بعد أن كان معدوما؛ وإذا فرضنا أنه أحدث من غيره فقد جعلناه موجودا فى ذلك الغير؛ فلا يكون محدثا فى الحقيقة؛ ولا موجودا بعد عدم حقيقى؛ فكأنّا قلنا: إنه محدث وليس بمحدث؛ وهذا متناقض.

على أن الجواهر والأجسام إنما حكمنا بحدثها؛ لأنها لم تخل من الأعراض، ولم تتقدم فى الوجود عليها، وما لم يتقدم المحدث فهو محدث مثله.

وإذا كانت الأعراض التى توصّلنا بحدوثها إلى حدوث الأجسام والجواهر محدثة؛ لا من شيء ولا عن هيولى (١) على ما تموّه هؤلاء المفلسفون به؛ فيجب أن تكون الجواهر والأجسام أيضا محدثة على هذا الوجه؛ لأنه إذا وجب أن يساوى ما لم يتقدم المحدث فى حدوثه وجب أيضا أن يساويه فى كيفية حدوثه.

على أنا قد بيّنا أنّ ما أحدث من غيره ليس بمحدث فى الحقيقة، والعرض محدث على الحقيقة، فيجب فيما لم يتقدمه فى الوجود أن يكون محدثا على الحقيقة.

ويبيّن ما ذكرناه أن من أحدث من طين أو شمع صورة فهو غير محدث لها على الحقيقة، وكيف تكون كذلك وهى موجودة الأجزاء فى الطين والشمع؟ وإنما أحدث المصوّر تصويرها وتركيبها والمعانى المخصوصة فيها، وهذا يقتضي أنّ الجواهر والأجسام على مذهب أصحاب الهيولى غير محدثة على الحقيقة؛ وإنما حدث التصوير والتركيب. وإذا كان الدليل على حدوث


(١) حاشية ف: «الهيولى كلمة يونانية يعنون بها مادة لا صورة لها لما يقول أصحاب المعدوم».