للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميع الأجسام والجواهر قد دلّ بطل هذا المذهب.

فأما الّذي يدلّ على بطلان قول من أثبت شيئا موجودا ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض من غير جهة المطالبة له بتصحيح دعواه، وتعجيزه عن ذلك فهو أنه لا حكم لذات موجودة ليست بجسم ولا جوهر ولا عرض يعقل؛ ويمكن الإشارة إليه، وما لا حكم له من الذوات والصفات لا يجوز إثباته؛ ولا بدّ من نفيه لأنه يؤدى إلى إثبات ما لا فرق بين إثباته ونفيه؛ وتجويز ذلك يؤدى إلى الجهالات وإلى إثبات ما لا يتناهى من الذوات والصفات.

وقد بيّنا هذه الطريقة فى مواضع من كتبنا؛ لا سيما فى الكتاب الملخّص فى الأصول.

على أنا نقول لمن أثبت الهيولى وادّعى أنه أصل العالم، وأن الأجسام والجواهر منها أحدثت: لا تخلو هذه الذات (١) التى يسميها بالهيولى من أن تكون موجودة أو معدومة؛ وما نريد بالوجود ما تعنونه أنتم بهذه اللفظة؛ لأن الموجود عندكم يكون بالفعل، ويكون بالقوة، ويكون المعدوم عندكم موجودا بالقوة أو فى العلم؛ وإنما نريد بالوجود هذا الّذي نعقله ونعلمه ضرورة عند إدراك الذوات المدركات؛ لأن أحدنا إذا أدرك الجسم متحيّزا علم ضرورة وجوده وثبوته؛ وكذلك القول فى الألوان وما عداها من المدركات.

فإن قال: هى موجودة على تحديدكم (٢).

قلنا: فيجب أن تكون متحيّزة؛ لأنها لو لم تكن بهذه الصفة ما حصل منها التحيّز، ألا ترى أنّ الأعراض لما لم تكن

متحيّزة لم يمكن أن يحدث منها التحيز! وإذا أقروا فيها التحيز فهى من جنس الجواهر؛ وبطل القول بأنها ليست بجوهر ووجب لها الحدوث؛ لأنّ دليل حدث الأجسام ينتظمها، ويشتمل عليها؛ فبطل أيضا القول بقدمها ونفى حدوثها.

وإن قالوا: هى معدومة قلنا: إذا كانت معدومة على الحقيقة فما نسومكم إثبات قدم لها ولا


(١) حاشية ف (من نسخة): «الذوات».
(٢) من نسخة بحاشيتى ط، ف: «على طريقكم».