للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويل آية [وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً؛ [طه: ١١٤]

فقال: ما معنى هذه الآية؟ فإن ظاهرها لا يدلّ على تأويلها.

الجواب، قلنا: قد ذكر المفسّرون فى هذه الآية وجهين نحن نذكرهما، ونوضّح عنهما، ثم نتلوهما بما خطر لنا فيهما زائدا على المسطور.

وأحد ما قيل فى هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا نزل عليه القرآن وسمعه من جبرئيل قرأ عليه السلام معه ما يوحى به إليه من القرآن أولا أولا قبل استتمامه والانتهاء إلى المنزّل منه فى الحال، وقطع الكلام عليها، وإنما كان يفعل النبىّ عليه السلام ذلك حرصا على حفظه وضبطه، وخوفا من نسيان بعضه، فأنزل الله تعالى هذه الآية ليثبت النبىّ صلى الله عليه وآله فى تلاوة ما يسمعه من القرآن، حتى ينتهى إلى غايته لتعلّق بعض الكلام ببعض.

قالوا: ونظير هذه الآية قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ؛ [القيامة: ١٦ - ١٩]؛ فضمن الله تعالى أنه يجمع له عليه السلام حفظ القرآن، ثم يثبّته فى صدره، ليؤدّيه إلى أمّته، وأسقط عنه كلفة الاستعجال بترداد تلاوته، والمسابقة إلى تلاوة كل ما يسمعه منه؛ تخفيفا عنه وترفيها له، وأكدوا ذلك بقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أى إذا انتهينا إلى غاية ما تريد إنزاله فى تلك الحال، فحينئذ اتبع قراءة ذلك وتلاوته، فلم يبق منه ما ينتظر فى الحال نزوله.

والوجه الآخر أنهم قالوا: إنما نهى النبىّ عليه السلام عن تلاوة القرآن على أمته وأداء ما يسمعه منه إليهم، قبل أن يوحى إليه عليه السلام ببيانه، والإيضاح عن معناه وتأويله؛ لأنّ تلاوته على من لا يفهم معناه، ولا يعرف مغزاه لا تحسن.