للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بينا الكلام فى هذه المسألة، والأدلّة على صحة ما ذهبنا إليه منها فى مواضع من كتبنا، وتكلمنا على فساد قول من أوجب اقتران البيان بالخطاب.

على أنّ من اعتمد على هذه الطريقة فى هذا الموضع فقد غلط؛ لأنّ الآية تدلّ على أنّ الله تعالى قد خاطب نبيّه عليه السلام بما يحتاج إلى بيان من غير انضمام البيان إليه. وإذا جاز ذلك فى خطابه تعالى لنبيه عليه السلام جاز مثله فى خطاب النبىّ عليه السلام لأمته؛ لأنّ من أبطل تأخير البيان عن زمان الخطاب يوجب ذلك فى كل خطاب.

وليس يمكن أن يدّعى أنه تعالى قد بيّن له؛ لأن تأويلهم يمنع من ذلك؛ لأنه قيل له على هذا الوجه: لا تعجل بتلاوة القرآن على أمّتك قبل أن يقضى إليك وحيه؛ يعنى قبل أن ينزل إليك بيانه؛ فالبيان متأخّر عنه على ذلك الوجه؛ وذلك قبيح على مذهب من منع من تأخير البيان من وقت الخطاب.

والتأويل الّذي ذكرناه زائدا على الوجهين المذكورين يمكن أن تفسّر به الآية الأخرى التى هى قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ، بطلب ما لم ينزل عليك من القرآن؛ فإنّ علينا إنزال ما تقتضى المصلحة إنزاله عليك وجمعه لك؛ وقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ، يدلّ ظاهره على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب؛ لأنّه تعالى أمره: إذا قرأ عليه الملك وأوحى به إليه أن يقرأه، ثم صرّح بأن البيان يأتى بعده؛ فإنّ «ثمّ» لا يكون إلا للتراخى، وما هو مقترن بالشيء لا تستعمل فيه لفظة «ثمّ» ألا ترى أنه لا يقال: أتانى زيد ثم عمرو، وإنما حضرا فى وقت واحد!