للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثرها معترض. وأشفّ (١) ما قيل فى ذلك أن الحياة معلوم أن الحرارة الشديدة، كحرارة النار تنفيها ولا تثبت معها. ومعلوم أنّ حرارة الشمس أشدّ وأقوى من حرارة النار بكثير؛ لأنّ الّذي يصل إلينا على بعد المسافة من حرارة الشمس بشعاعها يماثل أو يزيد على حرارة النار؛ وما كان بهذه الصفة من الحرارة يستحيل كونه حيّا.

وأقوى من ذلك كلّه فى نفى كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكوكب أحياء السمع والإجماع؛ فإنه لا خلاف بين المسلمين فى ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب، وأنها مسخّرة مدبّرة مصرّفة؛ وذلك معلوم من دين رسول الله صلى الله عليه وآله ضرورة؛ وإذا قطعنا على نفى الحياة والقدرة عن الكواكب، فكيف

تكون فاعلة!

وعلى أننا قد سلّمنا لهم استظهارا فى الحجة أنها قادرة؛ قلنا: إن الجسم وإن كان قادرا فإنه لا يجوز أن يفعل فى غيره إلّا على سبيل التوليد؛ ولا بدّ من وصلة بين الفاعل والمفعول فيه، والكواكب غير مماسّة لنا، ولا وصلة بيننا وبينها، فكيف تكون فاعلة فينا! فإن ادّعى أن الوصلة بيننا الهواء؛ فالهواء أوّلا لا يجوز أن يكون آلة فى الحركات الشديدة، وحمل الأثقال؛ ثم لو كان الهواء آلة تحرّكنا بها الكواكب لوجب أن نحسّ بذلك، ونعلم أنّ الهواء يحرّكنا ويصرّفنا؛ كما نعلم فى غيرنا من الأجسام إذا حركناه بآلة يوضع تحريكه لنا بها. على أنّ فى الحوادث الحادثة فينا ما لا تجوز أن يفعل بآلة، ولا يتولّد عن سبب، كالإرادات والاعتقادات وأشياء كثيرة؛ فكيف فعلت الكواكب ذلك فينا وهى لا يصحّ أن تكون مخترعة للأفعال؛ لأن الجسم لا يجوز أن يكون قادرا إلا بقدرة، والقدرة لا تجوز لأمر يرجع إلى نوعها أن تخترع بها الأفعال.

فأما الأدمة فليس تؤثّرها الشمس على الحقيقة فى وجوهنا وأبداننا؛ وإنما الله تعالى هو المؤثر لها وفاعلها بتوسط حرارة الشمس؛ كما أنه تعالى هو المحرق على الحقيقة بحرارة النار، والهاشم لما يهشمه الحجر بثقله، وحرارة الشمس مسوّدة للأجسام من جهة معقولة مفهومة؛ كما أن النار تحرق الأجسام على وجه معقول، فأىّ تأثير للكواكب فينا يجرى هذا المجرى فى


(١) فى حاشية ف: «أشفّ: أفضل».