للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النوم لكان تقدير الكلام: من اعتقد أنه يرانى فى منامه وإن كان غير راء لى على الحقيقة فهو فى الحكم كأنه قد رآنى؛ وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر، وتبديل لصيغته؛ وهذا الّذي رتبناه فى المنامات وقسّمناه أسدّ تحقيقا من كلّ شيء قيل فى أسباب المنامات، وما سطر فى ذلك معروف غير محصّل ولا محقق.

فأما ما يهذى به الفلاسفة فى هذا الباب فهو ممّا يضحك الثكلى؛ لأنهم ينسبون ما صحّ من المنامات لما أعيتهم الحيل فى ذكر سببه إلى أن النّفس اطّلعت على عالمها، فأشرفت على ما يكون.

وهذا الّذي يذهبون إليه فى حقيقة النفس غير مفهوم ولا مضبوط؛ فكيف إذا أضيف إليه الاطلاع على عالمها؟ وما هذا الاطلاع؟ وإلى أى شيء يشيرون بعالم النفس؟ ولم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع؟ وكل هذا زخرفة، ومخرقة؛ وتهاويل لا يتحصل منها شيء.

وقول صالح قبة- مع أنه تجاهل محض- أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة؛ لأن صالحا ادّعى أن النائم يرى على الحقيقة ما ليس يراه، ولم يشر إلى أمر غير معقول ولا مفهوم؛ بل ادّعى ما ليس بصحيح وإن كان مفهوما؛ وهؤلاء عوّلوا على ما لا يفهم مع الاجتهاد، ولا يعقل مع قوة التأمل والتدبّر؛ فالفرق بينهما واضح.

وأمّا سبب الإنزال فيجب أن يبنى على تحقيق سبب الإنزال فى اليقظة مع الجماع، ليس هو ما يهذى به أصحاب الطبائع؛ لأنا قد بينا فى غير موضع أن قول أصحاب الطبع لا أصل له، وأن الإحالة فيه على سراب لا يتحصّل. وأما سبب الماء فإن الله تعالى أجرى العادة بإخراج الماء من ظهر الرجل عند هذه الحركة المخصوصة؛ وليس يمتنع أن يجرى الله العادة؛ بأن يخرج هذا الماء من الظهر عند اعتقاد النائم أنه يجامع؛ وإن كان هذا الاعتقاد باطلا.