للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٥ مجلس آخر [المجلس الخامس عشر: ]

تأويل آية [: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ... ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً/ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ؛ [البقرة: ١٧١].

فقال: أىّ وجه لتشبيه الذين كفروا بالصائح (١) بالغنم، والكلام يدلّ على ذمّهم ووصفهم بالغفلة وقلّة التأمل والتمييز، والنّاعق بالغنم قد يكون مميّزا متأمّلا محصّلا؟

يقال له فى هذه الآية خمسة أجوبة:

أولها أن يكون المعنى: مثل واعظ الذين كفروا والداعى لهم إلى الإيمان والطاعة كمثل الراعى الّذي ينعق بالغنم وهى لا تعقل معنى دعائه، وإنما تسمع صوته ولا تفهم غرضه؛ والذين كفروا بهذه الصّفة لأنهم يسمعون وعظ النبي صلى الله عليه وآله ودعاءه وإنذاره فينصرفون (٢) عن قبول ذلك، ويعرضون عن تأمّله، فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه؛ لاشتراكهما فى عدم الانتفاع به. وجائز أن يقوم قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا مقام الواعظ والداعى لهم؛ كما تقول العرب: فلان يخافك خوف الأسد؛ والمعنى كخوفه (٣) الأسد، فأضاف الخوف إلى الأسد وهو فى المعنى مضاف إلى الرجل، قال الشاعر:

فلست مسلّما ما دمت حيّا ... على زيد بتسليم الأمير

أراد بتسليمى على الأمير، ونظائر ذلك كثيرة.

والجواب الثانى أن يكون المعنى: ومثل الذين كفروا كمثل الغنم التى لا تفهم نداء الناعق، فأضاف الله تعالى المثل الثانى إلى الناعق؛ وهو فى المعنى مضاف إلى المنعوق به،


(١) حاشية الأصل (من نسخة): «الناعق»، وفى ت: «الصائح: الناعق».
(٢) حاشية ت (من نسخة): «فيضربون».
(٣) م: «كخوفه من الأسد».