للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفضل فتلك لا تبقى غنى، والتى تبقى غنى ليست الجزيلة، وهذا تناقض.

قلنا: أما تأويلنا فمطابق (١) للوجهين المذكورين فى قوله: «ما بقّت (٢) غنى»؛ لأنّ من تأوّل ذلك على أنّ المراد بها المعطى، وأنّ خير العطية ما أغنته عن المسألة فالمطابقة ظاهرة، ومن تأوّله على الوجه الآخر، وحمل ما أبقى الغنى على المعطى وأهله وأقاربه؛ فتأويلنا أيضا مطابق له، لأنه قد يكون فى العطايا التى يبقى بعدها الغنى على الأهل والأقارب جزيل وغير جزيل، فقال عليه السلام: «خير الصدقة ما بقّت (٢) غنى» بعد إخراجها؛ والعطية الجزيلة التى تبقى بعدها غنى خير من القليلة، فمدح عليه السلام بعد إبقاء الغنى جزيل العطية، وحثّ على الكرم والفضل.

*** [ذكر أبيات تروى لثابت قطنة وعروة بن أذينة: ]

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى بن جنيقا قال أخبرنا أبو عبد الله الحكيمىّ قال أملى علينا أبو العباس/ أحمد بن يحيى النحوىّ قال: أنشدنا ابن الأعرابىّ لثابت قطنة العتكىّ (٣):

يا هند كيف بنصب بات يبكينى ... وعائر فى سواد العين يؤذينى (٤)

كأنّ ليلى والأصداء هاجدة ... ليل السّليم وأعيا من يداوينى

لمّا حنى الدّهر من قوسى وعذّرنى ... شيبى وقاسيت أمر الغلظ واللّين (٥)


(١) من نسخة بحاشيتى الأصل، ت: «فيطابق الوجهين».
(٢) ت: «ما أبقت».
(٣) هو أبو العلاء ثابت بن كعب، شاعر فارس؛ من شعراء الدولة الأموية، وكان فى صحابة يزيد بن المهلب، ولقب قطنة؛ لأن سهما أصابه فى عينه فى بعض حروب الترك. وانظر ترجمته وأخباره وأشعاره فى (الأغانى ١٣: ٤٧ - ٥٤، والخزانة ٤: ١٨٥ - ١٨٧، والشعر والشعراء ٦١٢ - ٦١٣).
(٤) القصيدة فى رثاء المفضل بن المهلب؛ وهند هى بنت المفضل؛ دخل عليها ثابت، والناس حولها جلوس يعزونها؛ فلما أنشدها هذه القصيدة قالت: ليست المصيبة فى قتل من استشهد ذابا عن دينه، مطيعا لربه؛ وإنما المصيبة فيمن قلت بصيرته، وخمل ذكره بعد موته؛ وأرجو ألا يكون المفضل عند الله خاملا».
والقصيدة فى (أمالى الزجاجى ١٣٠ - ١٣١، وأبيات منها فى الأغانى ١٣: ٥١ - ٥٢). النصب: البلاء والعذاب. والعائر: القذى والرمد، وكذلك العوّار.
(٥) عذرنى شيبى؛ أى شيبنى من جانبى وجهى؛ من العذارين.