للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٤ مجلس آخر «*» [المجلس الرابع والثلاثون: ]

تأويل [قوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ... : ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ [يوسف: ٩٢]، حاكيا عن يوسف عليه السلام.

فقال: لم خصّ «اليوم» بالقول، وإنما أراد العفو عنهم فى جميع مستقبل أوقاتهم؟

الجواب، قلنا: فى هذه الآية وجوه أربعة:

أولها أنه لما كان هذا الوقت الّذي أشار إليه (١) هو أوّل أوقاته التى كشف فيها نفسه، وأطلعهم على ما كان يستره (٢) عنهم من أمره؛ أشار إلى الوقت الّذي لو أراد الانتقام لابتدأ به فيه؛ والّذي متى عفا فيه عنهم (٣) لم يراجع الانتقام.

وثانيها أنّ يوسف عليه السلام لما قدّم توبيخهم، وعدّد عليهم قبيح ما فعلوه، وعظيم ما ارتكبوه؛ وهو مع ذلك يستر عليهم (٤) نفسه، ولا يفصح لهم بحاله قال لهم عند تبين أمرهم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ؛ أى قد انقطع عنكم توبيخى، ومضى عذلى ولائمتى عند اعترافكم بالذنب، وكان ذكر «اليوم» دلالة على انقطاع المعاقبة والتوبيخ؛ وعلى أنّ الأوقات المتصلة باليوم تجرى مجراه فى زوال الغضب، وتمام العفو، وسقوط المواقفة لهم على ما سلف منهم.

وثالثها أنّ ذكر «اليوم» المراد به الزمان والحين، فوضع «اليوم» موضع الزّمان كلّه، المشتمل على الليالى والأيام والشهور والسنين؛ كما يقول العربى لغيره: قد كنت تستحسن شرب الخمر فاليوم قد وفّقت لتركها ومقتها؛ يريد فى هذا الزمان، ولا يريد يوما واحدا بعينه؛ ومثله:


* فى الأصل: «هذا المجلس نصف الكتاب».
(١) ت: «أشار الله إليه».
(٢) حاشية ت (من نسخة): «ستره».
(٣) ساقطة من ت.
(٤) ت: «عنهم».