للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٧ مجلس آخر [المجلس السابع والثلاثون: ]

تأويل آية [: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ، [يوسف: ٣٣].

فقال: إذا كانت المحبة عندكم هى الإرادة، فهذا تصريح من يوسف عليه السلام بإرادة المعصية؛ لأن حبسه فى السجن، وقطعه عن التصرف معصية من فاعله؛ وقبيح من المقدم عليه؛ وهو فى القبح يجرى مجرى ما دعى إليه من الزنا. وقوله من بعد: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ يدل على أنّ امتناعه من القبيح [مشروط بمنعهنّ وصرفهنّ] (١) عن كيده؛ وهذا بخلاف مذهبكم، لأنكم تذهبون إلى أنّ ذلك لا يقع منه؛ صرف النّسوة عن كيده، أو لم يصرفهنّ.

الجواب، قلنا: أما قوله: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ففيه وجهان من التأويل:

أولهما أنّ المحبّة متعلقة فى ظاهر الكلام بما لا يصحّ فى الحقيقة أن يكون محبوبا مرادا؛ لأنّ السجن إنما هو الجسم، والأجسام لا يجوز أن يريدها؛ وإنما يريد الفعل فيها، أو المتعلّق بها؛ والسجن نفسه (٢) ليس/ بطاعة ولا معصية، وإنما الأفعال فيه قد تكون طاعات ومعاصى بحسب الوجوه التى يقع عليها؛ وإدخال القوم يوسف عليه السلام الحبس، أو إكراههم له على دخوله معصية منهم؛ وكونه فيه وصبره على ملازمته، والمشاقّ التى تناله باستيطانه طاعة منه وقربة، وقد علمنا أنّ ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع، وترك


(١) د، ف: «مشروط بمنعهم وصرفهم».
(٢) حاشية ف (من نسخة): «وحده».