للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٩ مجلس آخر [المجلس التاسع والثلاثون: ]

تأويل آية [: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ... ]

إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ/ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ؛ [التوبة: ٥٥].

فقال: كيف يعذبهم بالأموال والأولاد، ومعلوم أن لهم فيها مسرورا ولذة؟ وما تأويل قوله تعالى: وَهُمْ كافِرُونَ وظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم فى حال كفرهم، لأن القائل إذا قال: أريد أن يلقانى فلان وهو لابس أو على صفة كذا وكذا، فالظاهر أنه أراد كونه على تلك الصفة؟

الجواب، قلنا: أما التعذيب بالأموال والأولاد ففيه وجوه:

أولها ما روى عن ابن عباس وقتادة، وهو أن يكون فى الكلام تقديم وتأخير، ويكون التقدير: فلا تعجبك يا محمد ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار والمنافقين ولا أولادهم فى الحياة الدنيا؛ إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها؛ واستشهد على ذلك بقوله تعالى: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ؛ [النمل: ٢٨]، والمعنى: فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم؛ وأنشد فى ذلك قول الشاعر:

عشيّة أبدت جيد أدماء مغزل ... وطرفا يريك الإثمد الجون أحورا (١)

يريد: وطرفا أحور يريك الإثمد الجون؛ وقد اعتمد هذا الوجه أيضا أبو عليّ قطرب، وذكره أبو القاسم البلخىّ

والزّجاج.


(١) مغزل: معها غزالها.