للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[٤] مجلس آخر [المجلس الرابع: ]

تأويل آية [وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ]

إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالى: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس: ١٠٠].

وظاهر هذا الكلام يدلّ على أن الإيمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره، وليس هذا مذهبكم؛ وإن حمل الإذن هاهنا على الإرادة اقتضى أنّ من لم يقع منه الإيمان لم يرده الله منه، وهذا أيضا بخلاف قولكم. ثم جعل الرّجس الّذي هو العذاب على الذين لا يعقلون؛ ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلّفا، فكيف يستحقّ العذاب؟ وهذا بالضد من الخبر المروىّ عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «أكثر أهل الجنة البله».

الجواب، يقال له فى قوله تعالى: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وجوه:

منها أن يكون الإذن الأمر، ويكون معنى الكلام: إن الإيمان لا يقع إلا بعد أن يأذن الله فيه، ويأمر به، ولا يكون معناه ما ظنّه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران: ١٤٥].

ومعلوم أنّ معنى قوله: ليس لها فى هذه الآية هو ما ذكرناه، وإن كان الأشبه فى هذه الآية التى فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.

ومنها أن يكون الإذن هو التوفيق (١) والتيسير والتسهيل، ولا شبهة فى أن الله يوفق لفعل الإيمان ويلطف فيه، ويسهّل السبيل إليه.

ومنها أن يكون الإذن العلم من قولهم: أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته، وآذنت فلانا بكذا إذا أعلمته؛ فتكون فائدة الآية الإخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات، فإنه ممن


(١) حاشية الأصل (من نسخة): «فى هذه».