للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيعرض عن ذكرى وتنسى مودّتى ... ويحدث بعدى للخليل خليل

أجلّك قوم حين صرت إلى الغنى ... وكلّ غنىّ فى العيون جليل

وليس الغنى إلا غنى زيّن الفتى ... عشيّة يقرى أو غداة ينيل

ولم يفتقر يوما وإن كان معدما ... جواد ولم يستغن قطّ بخيل

إذا مالت الدّنيا إلى المرء رغّبت ... إليه، ومال النّاس حيث يميل

أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة ... وصاحبها حتى الممات عليل

وإنّى وإن أصبحت بالموت موقنا ... فلى أمل دون اليقين طويل (١)

وقد أحسن البحترىّ فى قوله فى هذا المعنى:

أخىّ متى خاصمت نفسك فاحتشد ... لها، ومتى حدّثت نفسك فاصدق

أرى علل الأشياء شتّى ولا أرى الت ... جمّع إلّا غاية للتّفرّق (٢)

أرى العيش ظلّا توشك الشّمس نقله ... فكس فى ابتغاء العيش كيسك أومق (٣)

أرى الدّهر غولا للنّفوس وإنما ... يقى الله فى بعض المواطن من يقى

فلا تتبع الماضى سؤالك لم مضى ... وعرّج على الباقى فسائله لم بقى

ولم أر كالدّنيا خليلة صاحب ... محبّ متى تحسن بعينيه تعنق (٤)

تراها عيانا وهى صنعة واحد ... فتحسبها صنعى لطيف وأخرق

وقد قيل إن السبب فى خروج البحترىّ عن بغداد فى آخر أيامه كان هذه الأبيات؛ لأن بعض أعدائه شنّع عليه بأنه ثنوىّ من حيث قال:

* فتحسبها صنعى لطيف وأخرق*

وكانت العامة حينئذ غالبة على البلد، فخاف على نفسه فقال لابنه أبى الغوث: قم يا بنيّ حتى نطفئ عنا هذه الثائرة بخرجة نلمّ فيها ببلدنا؛ فخرج ولم يعد.


(١) لم أعثر على هذه الأبيات فى ديوانه؛ وهى فى مجموعة المعانى ٥، ٦ مع اختلاف فى الرواية.
(٢) ف، وحاشية الأصل (من نسخة)، مجموعة المعانى: «علة للتفرق».
(٣) مق، أى تحامق.
(٤) مجموعة المعانى، د، ونسخة بحاشيتى الأصل، ف: «تطلق».