للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

سئل رضى الله عنه عن قول النبي صلى الله عليه وآله: «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربّه» ما معناه؟ فقال: معنى هذا الخبر أنّ أحدنا إذا كان عالما بأحوال نفسه وصفاته فلا بدّ أن يكون عالما بأحوال من جعله على هذه الصفات؛ وصيّر له هذه الأحوال والأحكام؛ لأنّ من علم الفرع لا بدّ أن يكون عالما بأصله الّذي يستند إليه، ويتفرّع عليه، وإذا دخل التزايد فى العلم وكان بالفرع أعلم فهو بالأصل أعلم.

وشرح هذه الجملة أنّ من علم نفسه أنّه محدث مصنوع مخلوق مربوب قادر حىّ؛ عالم فلا بدّ من أن يكون عالما بمن جعله على هذه الصفات، وصيّر له هذه الأحوال والأحكام، ولو لاه جلّ اسمه لم يكن على شيء منها؛ فالتزايد والتفاضل فى أحد الأمرين يقتضي التزايد والتفاضل فى الآخر.

ولا يلزم على هذه الجملة أن أحدنا قد يعلم نفسه موجودا وإن لم يكن بالله تعالى عارفا؛ وهو جلّ وعزّ الّذي أوجده، ولولاه لم يكن موجودا، ألا ترى أن الدّهرية يعلمون العالم وما فيه موجودا وإن لم يعلموا أن له موجدا، وكذلك قد يعلم أحدنا كونه قادرا وعالما وحيّا وإن لم يعلم من جعله على هذه الأحوال؛ وذلك أنّا إذا أدخلنا لفظة «أفعل» فقلنا: من كان أعلم بنفسه كان أعلم بربّه، ومن علم نفسه موجودا ولم يعلم موجده وخالقه ليس بأعلم بنفسه؛ وإن قيل هو عالم ولفظة المبالغة تقتضى أنه إذا لم يعلم أن له موجدا ومقدرا ومجيبا فليس بأعلم بنفسه. والّذي يبيّن هذا أنه لا يمتنع فيمن علم قطعة من النّحو أن نقول:

إنه عالم بالنحو، ولا نقول: هو أعلم. إلا إذا كان مستوليا على جميع علومه؛ لا يذهب عليه شيء منها.

وليس يمتنع أن نعكس لفظ هذا الخبر فنقول: أعلمكم بربّه أعلمكم بنفسه؛ لأنه من كان بالله أعلم فلا بدّ من أن

يكون عالما بأنه خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا، والجاعل لنا على هذه الأحوال والصفات فمن حيث تعلّق كلّ واحد من الأمرين بصاحبه جاز أن يجعل كلّ واحد من الأمرين تارة فرعا، وتارة أصلا.