للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روجتها قريشٌ ضدهم حتى استدعاهم وسمع منهم، وأعجبه حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عن أسباب هجرتهم واختيارهم أرضه حين قال: « ... فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلَم عندك أيها الملك فقال النجاشي: هل معك مما جاء به محمد عن اللهِ من شيء؟ قال: نعم فقرأ عليه جعفر صدرًا من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى اخضلَّت لحيتُه وبكت أساقفتُه حتى أخْضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرجُ من مشكاةٍ واحدة» (١).

يا أخا الإسلام إذا كان يُعجبكَ هذا الموقفُ المتعقلُ من النجاشي للمسلمين المهاجرين إليه، وتُسرُّ لإسلام النجاشي حين أصبح في عِداد المسلمين، وتغتبطُ إذ يُصلي عليه الرسولُ صلاة الغائب حين مات في أرض الحبشة ولم ير الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يره الرسول صلى الله عليه وسلم.

فيزداد عجَبُك بالنجاشي حين تعلمُ أن العدل مبدأ أرسى عليه دعائمَ ملكه منذ أن صار إليه أمرُ الأحباش، ولقد رد هدايا قريش عليهم حين تبين له صدقُ المسلمين، وما هم عليه من حق وتذكَّر أن الرشوةَ لم تُؤخذ منه من قبل فيأخذها هو، وقال قولته المشهورة: ردوا عليهما -يعني مبعوثي قريش- هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ اللهُ مني الرشوةَ حين ردَّ عليَّ ملكي وآخذ الرشوةَ فيه، وما أطاع الناسَ فيَّ فأطيعهم فيه (٢).

يا أخا الإسلام، النجاشيُّ بهذه المقولةِ يتذكر فضلَ الله عليه حين حسده


(١) السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٣٥٩.
(٢) السيرة لابن هشام ١/ ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>