للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجليًا للصورة وموضحًا لحقيقة التوبة- وهو كلام نفيسٌ فاعقلوه-: ((وكثيرٌ من الناسِ إنما يُفسر التوبة بالعزم على أن لا يعاودَ الذنبَ، وبالإقلاع عنه في الحالِ، وبالندم عليه في الماضي، وإن كان في حقِّ آدمي فلابد من أمر رابع وهو التحلل منه، وهذا الذي ذكروه بعضُ مُسمى التوبة بل شرطها، وإلا فالتوبةُ في كلامِ اللهِ ورسولهِ- كما تتضمن ذلك- تتضمن العزم على فعلِ المأمور والتزامهِ فلا يكون بمجرد الإقلاع والعزمِ والندمِ تائبًا، حتى يوجدَ منه العزمُ الجازم على فعلِ المأمورِ، والإتيانِ به، هذا حقيقةُ التوبة، وهي اسمٌ لمجموع الأمرين .. ثم يقول فإن حقيقة التوبةِ الرجوعُ إلى اللهِ بالتزامِ فعلِ ما يُحِب، وترك ما يكره، فهي رجوعٌ من مكروه إلى محبوب، فالرجوع إلى المحبوبِ جزء مسماها، والرجوعُ عن المكروه الجزءُ الآخر، ولذا علّق سبحانه الفلاحَ المطلقَ على فعل المأمور وتركِ المحظورِ بها فقال: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} (١) فكلُّ تائبٍ مفلح ولا يكون مفلحًا إلا من فَعل ما أمر به وتركَ ما نهى عنه، وقال تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (٢) وتاركُ المأمور ظالم، كما أن فاعلَ المحظور ظالمٌ، وزوالُ اسمِ الظلمِ عنه إنما يكون بالتوبةِ الجامعةِ للأمرين ..

إلى أن يقول رحمه الله فالتوبةُ إذًا هي حقيقة دينِ الإسلام، والدين كلُّه داخلٌ في مسمى التوبة وبهذا استحق التائبُ أن يكون حبيبَ اللهِ، فإن الله يُحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يُحب اللهُ من فعَل ما أُمر به وتركَ ما نُهيَ عنه، والتوبةُ هي الرجوعُ مما يكرهه اللهُ ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه الله ظاهرًا وباطنًا، ويدخل في مسماها الإسلامُ والإيمانُ والإحسان. لهذا كانت غايةَ كلِّ مؤمن، وبدايةَ الأمر وخاتمتَه، ثم يختم حديثه بالقول: وأكثرُ


(١) سورة النور، آية: ٣١.
(٢) سورة الحجرات، آية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>