للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول بأنه استشهد يوم أن استشهد في مؤته وعمره ثلاث وثلاثون سنة (١)، عرفته بلاد الحبشة مهاجرًا دائمًا .. وعرفه الأحباش خطيبًا صادق اللهجة، قوي الحجة، داعيًا إلى الله، مدافعًا كذب الخصوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولِمَ يعجب المرء من قريش وقادتها وهم لا يكتفون بإخراج المؤمنين من مكة .. ويضطروهم للهجرة من ديارهم .. بل تظل مطاردتهم خارج بلادهم .. فما أن استقرَّ أصحابُ الهجرة في الحبشة حتى بعثت قريش في إثرهم وفدًا يشي بهم عند النجاشي، ويشوه صورتهم، قائلين: إن أناسًا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك .. وقد بعثنا إلى الملك أشراف قومهم ليردوهم إليهم (٢).

ولكن الأعجب من ذلك موقف المؤمنين وثباتهم، وقناعتهم ودفاعهم عن عقيدتهم، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه خطيبهم .. فلا يتلعثم ولا يتردد في شرح مفاهيم الدين الحق، ووصف الرسول المبعوث بالحق -حتى إذا أكمل جعفر حديثه لم يتمالك النجاشي نفسه من إظهار الإعجاب بحديثه، والاعتراف بصدق مقولته.

وحين نجح المسلمون .. بقيادة -جعفر رضي الله عنه- في هذا الامتحان الصعب .. فثمة موقف أصعب .. وعمرو بن العاص داهية العرب، ومبعوث قريش حينها، يحاول جاهدًا إثارة الوقيعة بين الأحباش النصارى .. وبين وفد المهاجرين المسلمين في قضية عقدية، الخلاف فيها بين المسلمين والنصارى كبير جدًّا .. تلك هي: عقيدة المسلمين الحقة في المسيح عيسى ابن مريم .. وعقيدة النصارى الكافرة وعيسى ابن مريم .. كما قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} (٣).


(١) زاد المعاد ٣/ ٣٨٣.
(٢) السيرة لابن هشام ١/ ٤١٣، الحلية ١/ ١١٤.
(٣) سورة المائدة، آية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>