للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناسُ لموتهم، ويتسابقون لتشييع جنائزهم، يتدافعون بالمناكب ويطأ بعضهم أعقاب بعض، ونرجو أن تكون تلك عاجل البشرى لهم، وأن يعوّض المسلمين بفقدهم خيرًا.

إن العالِم العامل والمجاهد الصادق لا يموت ذكره بين الناس وإن رحل عن الحياة الدنيا -فلا يزال الناس يعددون مناقبه، ويحيون ذكره، ويترحمون على فقده. فرق بين من يُذكر بخير وإن رحل، ومن يُنسى وهو بعدُ حيٌّ، أو يستبشر الناسُ لهلاكه، وإن الناس قد يُجاملون شخصًا في الحياة الدنيا ابتغاء نوله أو اتّقاء فحشه .. ولكن الموعد يوم الجنائز، فأيُّ شيء يبتغيه المشيِّع لجثة هامدة لا تملك لنفسها شيئًا؟ ! وأنّى لها أن تنفع الآخرين؟ ! لكنها المحبة والتقدير، والتعبيرُ عن حقِّ هذا العالم أو ذاك أو ذاك المجاهد المصلح، ولا تزال الأمة بخير ما بقيت تقدر الرجال وتشيدُ بمكانتهم، وتقدر جهادهم، وتثمِّن جهودهم.

أيها المسلمون: إن في مشاهد الجنائز المشهودة للعلماء أو العظماء من الرجال والنساء تذكيرًا للأحياء بقيمة الجهاد في الحياة الدنيا، وتحريكًا للهمم لعمل الصالحات، وبذل الخير، وإسداء النصح، ودعوة الخلق لما يحييهم -فتلك وأمثالها من أعمال صالحة هي باعثات القبول والمحبة بين الناس. والناس شهود الله في أرضه، وهم شافعون ومُشفَّعون لمن حضروا جنازته -كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من ميت يُصلي عليه أمةٌ من المسلمين، يبلغون أن يكونوا مئة -فيشفعون له إلا شُفعوا فيه» رواه أحمد ومسلم والنسائي (١).

اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، اللهم ارفع درجتهم في المهديين، واخلفهم


(١) صحيح الجامع ٥/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>