للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تآمر الملأُ على قتل موسى عليه السلام، فيتحرك الإيمانُ في قلوب الرجال دفاعًا عن الحق وحفاظًا على نفوس أهل الحق، ويتغلب الرجلُ هنا على بُعد المسافة -حيث جاء من أقصى المدينة، وعلى خطورة الموقف وضيق الوقت، فيأتي مسرعًا (يسعى) مُتخفيًّا عن القوم الماكرين، وعنه يقول تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (١).

وهكذا حين يتحرك الإيمان في الضمير يُلِحُّ على صاحبه بفعل الجميل، حتى وإن انتهى به الموقفُ إلى مفارقة الحياة، فذلك نقلةٌ له من عالم الفناءِ إلى عالم البقاء، وخطوةٌ يخلصُ بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة، ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحقّ، ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم، ومن ظلمات الجاهلية وبطش الجبارين إلى نور اليقين ورحمة أرحم الراحمين (٢).

هذا فضلًا عما يحصل له في الدنيا من العز والكرامة والحبِّ والود. وما يحصل لأعدائه من الذل والمهانة والخزي والندامة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (٣).


(١) سورة القصص: الآية ٢٠.
(٢) «في ظلال القرآن» سيد قطب، بتصرف يسير، تفسير يس ص ٢٩٦٤.
(٣) سورة مريم: الآيات ٩٦ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>