للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رحمه الله: ما كابرني أحد على الحق ودافع إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته واعتقدت مودته (١).

وهو داعية خير وناصح أمين لكل متردد أو شاك متحير، وانظره كيف يجلي الصورة للسائل في وسوسة الإيمان، ويقنعه بالحجة والبرهان، فقد جاء المزني إلى الشافعي وهو يقول: إن كان أحد يخرج ما في ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحدًا لا يعلم علمك فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت لا، قال: هل تعلم من الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجمًا في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه أفوله، مم خلق؟ قلت: لا، قال فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شيء منه فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق؟ إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى الله وإلى قوله تعالى {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، إن في خلق السموات والأرض .. } الآية فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك قال: فتبت (٢).

وكذلك يضيء العلماء الطريق للحيارى، ملأ هذا العالم الدنيا علمًا نافعًا، وذكرًا طيبًا ونشر الله بجهوده الملة، وحفظ به وبأمثاله الفقه والسنة، ولا تزال


(١) السابق ١٠/ ٣٣.
(٢) السير ١٠/ ٣١، ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>