للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو عدمُ قدرتنا على مواصلة التربية حتى يكونوا رجالًا، ومما يشحذ الهمم أن نتصور أن هذا الطفل الضعيف اليوم قد يكون من أفذاذ الرجال غدًا ... أو تكون هذه البُنيَّةُ المسكينةُ اليوم من خيار النساء غدًا، فلا تأسفْ على جهدٍ بذلته، ولا تحقرنَّ طفلًا لطفولته، وإذا قرأت في سير العظماء فتيقن أنهم مرُّوا بمرحلة الطفولة حتمًا .. ولكن طفولة العظماء، والعناية بهم تنتج - بإذن الله - رجالًا أو نساءً عظماء، ويحدثنا الإمام الشافعيُّ رحمه الله عن طفولته ويقول: حفظتُ القرآن وأنا ابنُ سبع سنين، وحفظتُ «الموطأ» وأنا ابنُ عشر (١).

ونقل الغزاليُّ قول سهل بن عبد الله التستري عن نفسه؛ قال: فمضيتُ إلى الكُتَّابِ، فتعلمت القرآن وحفظتُه، وأنا ابنُ ستِّ سنين أو سبع سنين (٢).

وأين الأمهاتُ من أمِّ أنس بن مالك رضي الله عنه والتي ما فتئت أمُّه تُعلمه وتربيه حتى دفعته وهو صغيرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم لتكتمل على يديه صلى الله عليه وسلم تربيتُه ويَحْسُنَ تعليمُه؟

بل أين الأمهاتُ من تلك المرأة التي دفعت إلى ابنها يوم أحدٍ السيف فلم يُطقْ حمله، فشدته على ساعده بِنسْعه، ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: هذا ابني يقاتل عندك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أي بني: احمل هاهنا، أي بُني احْمِل هاهنا» فأصابته جراحةٌ فصدع، فأُتي به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أي بنيّ لعلك جزعت؟ » قال: لا يا رسول الله (٣).

والنماذجُ في هذا أكثرُ من أن تحصى، وهي شاهدة على همم الأطفال، وأثر


(١) السيوطي: طبقات الحفاظ ص ١٥٤، بناء شخصية الطفل المسلم: محمد عثمان جمال: ١٥٠.
(٢) الإحياء: ٣/ ٧٢.
(٣) أخرجه ابنُ أبي شيبة عن الشعبي، وورد في «كنز العمال» وانظر: محمد عثمان جمال، بناء شخصية الطفل المسلم: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>