للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حدِّ قول القائل:

إذا قدحوا لي نار حربٍ بزِندِهم ... قدحتُ لهم في كل مكرمة زندا

وإن أكلوا لحمي وفرْتُ لحومَهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحملُ الحقد القديمَ عليهمٌ ... وليس رئيسُ القوم من يحمل الحقدا

لا شك أن هذه مرتبة عليّةٌ لا يستطيعها إلا عظماءُ الناس؟

إخوة الإيمان: وعلى من أوذي ثم اعتُذر إليه أن يقبل العذر، سواء كان المعتذرُ صادقًا أم كاذبًا، وفي هذا روي الحديث: «من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلْها، كان عليه من الخطيئة مثلُ صاحب مُكْسٍ» (١).

والحديث وإن ضعّفه العلماء فقد قالوا بقبول عُذرِ المعتذر، قال أبو حاتم بن حبان:

«ولا يخلو المعتذرُ في اعتذاره من إحدى حالتين: إما أن يكون صادقًا في اعتذاره، أو كاذبًا، فإن كان صادقًا فقد استحق الغفران؛ لأن شرَّ الناس من لم يُقل العثرات ولا يستر الزلات، وإن كان كاذبًا فالواجبُ على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته، وخضوع الاعتذار وذلته، ألا يعاقبه على الذنب السالف، بل يشكر له الإحسان المحدث الذي جاءه به في اعتذاره، وليس يعيب على المعتذر إن ذلَّ وخضع في اعتذاره إلى أخيه، وأنشد بعضهم:

أليس اللهُ يُستعفى فيعفو ... وقد ملك العقوبة والثوابا

أيها المؤذي ومن كمال عقلك وصلاح دينك ودنياك أن تتخذ من نيل الآخرين لك فرصةً لإصلاح عيوبك وتسديد نقصك، فلا يُستعانُ على العدوِّ بمثل إصلاح العيوب، وتحصين العورات، فلا تتضايق من كل نقدٍ يوجه إليك وإن كان فيه


(١) روضة العقلاء/ ٣٠٣، ضعيف الجامع الصغير: ٥/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>