للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا ابن آدم: حسبك بالقرآن واعظًا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (١).

إنها آياتٌ تهز الغافلين هزًّا، فالحساب يقترب وهم في غفلة، والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى، والموقفُ جِدٌّ وهم لا يشعرون بالموقفِ وخطورته، وكلما سمعوا الحقَّ قابلوه باللهو والاستهتار، واستمعوه وهم هازلون.

إن النفوس حين تستحوذُ عليها الغفلةُ لا تصلح للنهوض بعبءٍ، ولا للقيامِ بواجب، تغدو الحياةُ فيها عاطلةً هينةً رخيصةً، وحين يهون المرءُ في نظر نفسه يهون على الآخرين، وحين ينسى العبدُ ربَّه، ينساه الله وتحيق به الخسارة في الدارين.

أيها المسلمُ والمسلمة: لقد مُيزتم بحواسٍ ومدارك تَفضْلون بها غيرَكم، وتدركون بها ما يضركم وما ينفعكم، وحين تُعطَّلُ هذه الحواسُّ، وتُحيط الغفلةُ بالناس ينحدرون إلى درك الأنعام، بل هم أضلُّ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (٢).

عباد الله: إن من مظاهر الغفلة في حياتنا الانفتان بالدنيا والتخوف والتحوط لها، في مقابل الإعراض عن الآخرة وعدم التفكير بجدٍّ في نعيمها أو جحيمها، ومن مظاهر الغفلة الغضب للدرهم والدينار، وضعف الغيرة لدين الله. ومن مظاهر الغفلة في حياتنا الضعفُ في أداء الواجبات والزهدُ في عمل المستحبات، والتسامحُ في مقارفة السيئات، وهتك أستار المحرمات. ومن


(١) سورة الأنبياء، الآيات: ١ - ٣.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>