للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشلتْ كلُّ الخياراتِ الأخرى، ولكنّ المواجهةَ لا بد أن يسبقها استعدادٌ يقضي بإصلاحِ النفوسِ وترتيبِ الصُّفوف، فصلاحُ الدِّينِ - يرحمه اللهُ - عُنِيَ بإصلاحِ الجبهةِ الداخليةِ قبلَ المواجهةِ مع الصليبيين، فأصلحَ الصفَّ المسلمَ من المنافقينَ والمُرْجفين، وقوّى عزائمَ الخائفينَ والمتثاقلينَ، وكان إلى جانب صلاحِ الدين جمهورٌ من العلماءِ والقادةِ الناصحين، وهؤلاءِ جميعًا أسهموا في تقويةِ العزائمِ ودفعِ حركةِ الجهادِ، حتى إذا قادَ صلاحُ الدين المعركةَ الفاصلةَ - لتحريرِ المقدساتِ الإسلاميةِ تهاوتْ عروشُ الظالمينَ، وتناثرتْ الجُثثُ على سيوفِ المسلمينَ، وعادَ تكبيرُ المآذنِ بدلَ ناقوسِ الكنائسِ وأجراسِها، واستبشرَ المسلمونَ، وهلّلَ الكونُ لهذا النصرِ المبينِ - وطُويت صفحاتٌ من إفسادِ الصليبيين لهذه المقدساتِ لعقودٍ قاربت المائة عام.

ومسلمو اليوم حريُّونَ بتطهيرِ المقدساتِ من عبثِ اليهودِ وتخليصِ المسلمينَ من طيشِ المعتدينَ - لكن بعدَ أن يَصدُقوا مع ربِّهم ويُصلحوا ما بأنفُسهِم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (١)، ونهايتُهم على أيدي المسلمين محسومةٌ بالخبرِ الصادقِ: «لا تقومُ الساعةُ حتى يُقاتلَ المسلمونَ اليهودَ، فيقتلُهم المسلمونَ، حتى يختبئَ اليهوديُّ، وراءَ الحَجَرِ أو الشَجَرِ، فيقولُ الحَجَرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ، هذا يهوديٌّ خلفي فتعالَ فاقْتُلْهُ، إلا الغَرْقَد، فإنهُ من شَجَرِ يهودَ» (٢).

وذلك ذكرى للذاكرين.


(١) سورة الرعد، الآية ١١.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الفتن برقم (٢٩٢٣) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>