للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تزيَّدَ المناوئونَ لمعاويةَ رضيَ اللهُ عنه .. والذين يحاولونَ الاصطيادَ في الماءِ العَكرِ .. حين اتهموا معاويةَ بالإساءةِ إلى أبي ذرٍّ، وعدمِ منحِه حقَّه، وطرْدِه من الشام، ولفّقوا في ذلكَ مروياتٍ تلقَّفوها من أفواهِ أهلِ الأهواءِ والرَّيبِ .. والذينَ عجزوا عن التصريح باتهامِ عثمانَ جعلوا معاويةَ هدفًا لسهامِهم، فَمعاويةُ - كما قال السلفُ - أشبَهُ بالبوابةِ لصحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمن هزَّ البابَ أوشكَ أن يدخلَ الدارَ؛ ولذا كانوا يتهمونَ من تعرّضَ لمعاويةَ ويُعدّونه من أهلِ الرَّيب؟

وحين يحرصُ السلفُ ومن تبعَهُم بإحسانٍ من الخَلَف على حفظِ أعراضِ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدَّعونَ العصمةَ لهم، ولا ينزهونهم عن الخطأ؛ لكنهم يرونهم مجتهدينَ فيما صاروا إليه، فمن أصابَ فله أجران، ومن أخطأ فله أجرُ المجتهدِ المخطئِ.

عبادَ الله: وبشكلٍ عام فَحبُّ الصحابةِ من الإيمان، وبُغضُهم - أو أحدٍ منهم - من علاماتِ النفاق وهي سمةٌ من سيما أهلِ الأهواءِ في كلِّ زمانٍ ومكان.

أيها المسلمون: ودعونا نعودُ إلى حياةِ أبي ذرٍّ، ونعيشُ معه أيامَه الأخيرةَ، وكيفَ رحلَ من الدنيا في مشهدٍ يُحرّكُ القلوبَ، وتدمعُ له العيونُ.

فقد أخرجَ أبو حاتمٍ ابن حبانَ في «صحيحه» بسنده - حسّنهُ بعضُهم - عن أمّ ذرٍّ رضي اللهُ عنها قالت: لما حضرَتْ أبا ذرٍّ الوفاةُ بكيتُ، فقال أبو ذرٍّ: ما يبكيك؟ فقلتُ: ما لي لا أبكي وأنتَ تموتُ في فَلاةٍ من الأرضِ، وليس عندي ثوبٌ يَسعُكَ كفنًا، ولا يَدَانِ لي في تَغييبكَ. قال: أَبشري ولا تبكي، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ لنفرٍ أنا فيهم: «لَيَموتَنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرضِ يَشهدُهُ عصابةُ من المسلمينَ». وليسَ أحدٌ من أُولئكَ النفرِ إلا وقد ماتَ في قريةٍ وجماعةٍ، فأنا ذلكَ الرجلُ، فوالله ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، فأبصري الطريقَ. فقلتُ: أنَّى وقد ذهبَ الحاجُّ وتقطَّعتِ الطرقُ؟ فقال: اذهبي فتبصَّري. قالت:

<<  <  ج: ص:  >  >>