للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«العبادةُ في الهَرْج كَهِجْرَةٍ إليّ» (١). والهرجُ: استحكامُ القتل بين المسلمين، وهو نوعٌ من الفتن.

أيها المسلمون: وفرقٌ بين من يشتغلون - أوقاتَ الفتن - بالقيلِ والقالِ وتخطئةِ هذا وتصويبِ ذاكَ، أو بمجرَّدِ ذِكر أنواع الفتن وما بُليَ به الناسُ دون أن يكون هناك عملٌ صالحٌ، أو دعوةٌ للإصلاح، وبين من يشتغلون بعبادةِ ربِّهم في حالِ خَلَواتِهم، ويعملونَ في الدعوةِ والإصلاحِ وتسكينِ الفتنِ في حالِ اجتماعِهِم بالناس.

٧ - أيُّها الناسُ: والدعوةُ إلى اللهِ وإلى سبيلِه قاربٌ آخرُ من قواربِ النجاةِ، فالدُّعاةُ إلى الله يُحذِّرون من الوقوع في الفتن، ويرشدون إلى سُبلِ النَّجاةِ منها، وأول ما يُنقذُ الدعاةُ أنفُسَهم، فليس من الدعوةِ الحقَّةِ أن ينهى الدعاةُ غيرَهم عن الفتنِ وهم واقعون فيها، وكم وقى اللهُ من فتنةٍ بسببِ جهودِ الدُّعاةِ وتوفيق اللهِ لهم، وكم أحيا اللهُ بالدعوةِ أشخاصًا كانوا غارقين في الفتن.

إن الفرقَ كبيرٌ بين من يُحيون الأمةَ بالدعوة، ويُجدِّدون عَزْمها ويزيدون من إيمانها .. وبين من هَمُّهُم التثبيطُ والإحباطُ والحكمُ على الناس بالهلاك، دون تقديمِ أيِّ جُهْدٍ في الإصلاح، وفي الحديث: «مَنْ قالَ: هَلَكَ الناسُ فهو أهلكُهُم». وفي رواية: «فهو أهلَكَهُم». وعلى أيِّ المعنييْنِ سواء كان هو أشدَّهم هلاكًا، أو كان السببَ في إهلاكِهم، فذلك معنىً سلبيٌّ، وتلك سلبيةٌ لا تليقُ بالمسلم بشكل عامّ، ولا ينبغي أن يكون ذلك جهدَه في وقتِ الفتن على وجْهِ الخصوص.


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٩٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>