للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمِه بالعواقبِ، فإنَّ اللهَ يعلمُ منها ما لا يعلمُهُ العبدُ .. ومن هنا فعلى العبدِ أن يطمئنّ لقضاءِ الله وقَدرِه، وأن لا يقلقَ لمكروهٍ ينزلُ به - فقد يكون فيه الخيرُ - وألا يُنسيه الفرحُ بالنعمةِ تحصلُ له ما قد تجرُّه عليه من ويلاتٍ ومكارهَ.

الفائدةُ الثامنة: بم تفكِّر بين هَمّ الدنيا والآخرة؟ قال العارفون: فرِّغْ خاطرَكَ للهمِّ بما أُمرتَ به، ولا تُشغله بما ضُمنَ لك، فإن الرزقَ والأجل قرينان مضمونان، فما دامَ الأجلُ باقيًا، كان الرزقُ آتيًا، وإذا سَدّ عليكَ بحكمتهِ طريقًا من طرقه، فتحَ لك برحمتِه طريقًا أنفع لك منه، فتأمل حالَ الجنينِ يأتيه غذاؤه وهو الدمُ من طريقٍ واحدةٍ وهو السُّرة، فلما خرجَ من بطنِ الأُم وانقطعتْ تلك الطريقُ، فتح له طريقينِ اثنين، وأجرى له فيهما رزقًا أطيبَ وألذّ من الأولِ لبنًا خالصًا سائغًا، فإذا تمّت مدةُ الرَّضاع وانقطعتِ الطريقانِ بالفطامِ، فتحَ له طُرقًا أربعةً أكمل منها: طعامان وشرابان؛ فالطعامان من الحيوانِ والنبات، والشرابانِ من المياهِ والألبان، وما يُضاف إليهما من المنافعِ والملاذِّ، فإذا ماتَ انقطعت عنه هذه الأربعةُ الطرقُ، لكنه سبحانه يفتح له - إن كان سعيدًا - طرقًا ثمانيةً، وهي أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ، يدخلُ من أَيِّها شاءَ، فهكذا الربُّ لا يمنع عبدَه المؤمنَ شيئًا من الدُّنيا إلا ويؤتيهِ أفضلَ منه وأنفعَ له (١).

الفائدةُ التاسعة: أنواعُ الدراهم وأفضلُ الكسب، وما نوعُ درهمكَ قالوا: الدراهمُ أربعةٌ: درهمٌ اكتُسبَ بطاعةِ الله، وأُخرجَ في حقِّ الله، فذاكَ خيرُ الدراهم، ودرهمٌ اكتُسبَ بمعصيةِ الله وأُخرجَ في معصيةِ الله، فذاكَ شرُّ الدراهمِ، ودرهمٌ اكتُسبَ بأذى مسلمٍ، وأُخرجَ في أذى مسلمٍ فهو كذلك، ودرهمٌ اكتُسبَ بمُباحٍ وأُنفقَ في شهوةٍ مباحةٍ، فذاكَ لا له ولا عليه.


(١) الفوائد (٧٥) النفائش.

<<  <  ج: ص:  >  >>