للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لُذريق) أربعينَ ألفًا فكيفَ إذا عُلمَ أن أرضَ المعركةِ غريبةٌ على المسلمين والأسبانُ أعلمُ بمسالكها، وهم أقربُ من المسلمين إلى مصادرِ التموين، وقد كانَ جيشُ العدوّ من التنظيمِ والكثرةِ والاستعدادِ بحيث كانوا لا يَشكونَ في هزيمةِ المسلمينَ وسحقِهم، بل بلغَ كبرياؤهم وغرورُهم أن استصحبوا معهم عددًا من الدوابّ لا تحملُ إلا الحبالَ ليُربطَ بها أسارى المسلمينَ ودارت رحى معركةٍ ضروسٍ، صدقَ فيها المسلمونَ مع ربِّهم وأبلوا بلاءً حسنًا في جهادِ عدوّهم ولم يَهِنوا أو يحزنوا، وقد سقط ربعُ جيشهم إذ استُشهدَ من المسلمين في هذه المعركةِ ثلاثةُ آلافٍ، بل صبروا حتى كان النصرُ حليفَهُم، وتمكنوا من قتلِ مَلكِ الأسبان، بل وأسروا آلافًا من النصارى في نفسِ الحبالِ التي أعدُّوها للمسلمين، وما النصرُ إلا من عندِ الله.

إنها صفحةٌ مشرقةٌ من تاريخِنا يَسرّنا نصرُها وآثارُها، ويؤلمُنا ألّا يبقى لها في واقعنا المعاصرِ إلا الذكرى، ويكادُ المسلمُ منا يتوارى خجلًا من واقع أمتهِ التي لا ينقصُها العددُ ولا العتاد، ولكن ينقصُها الإيمانُ واليقينُ، ويَعزُّ في جنباتها القادةُ الصالحونَ أمثالُ أولئكَ الفاتحينَ الذين كانوا يُعبرونَ عن ثقتِهم بنصرِ ربِّهم، وحاجتهم إلى التقوى ويقولُ أحدهم: «لو كانت السماواتُ والأرضُ رَتْقًا لجعلَ اللهُ للمتقينَ منها مخرجًا» (١).

تلك مقولةُ عبدِ الرحمن الغافقيِّ رحمَه اللهُ .. أحدُ قادةِ المسلمينَ وشهدائهم في مسيرةِ الجهادِ والفتحِ الإسلاميِّ.

أما طارقُ بنُ زياد فكان يقولُ أمامَ المجاهدين:

ولسنا نبالي كيف سالتْ نفوسُنا ... إذا نحنُ أدْرَكْنا الذي كان أَجدرا (٢)


(١) ابن الأثير «الكامل» ٥/ ١٧٤.
(٢) نفح الطيب، المقري التلمساني ١/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>