للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال أبياتًا من الشِّعر ذكرَ فيها الجَدْبَ، فوضعَ عمرُ يدَه على رأسِه، ثم صاح: تدرونَ ما يقول؟ يذكرُ جَدْبًا وأستاتًا -يعني ضِيقًا وجوعًا- وأن عمرَ يشبعُ ويَرْوَى والمسلمون في ضيقٍ! ثم دعا الصحابةَ وقال: من يُوصِلُ إليهم المِيرةَ والتمرَ وما يحتاجون إليه؟ فوجَّهَ رجلين من الأنصار ومعهم إبلٌ كثيرةٌ عليها المِيرةُ والتمرُ، فدخلا اليمنَ وقسَّما ما كان معهما (١).

هكذا إخوةَ الإسلام كان عمرُ والمسلمون معه يتعاملون مع الكوارِثِ الواقعةِ على إخوانِهم المسلمين -ولو كانوا بعيدينَ عن مركزِ الخلافةِ- أما تعاملُ عمرَ والمسلمين معه في مَجاعةِ الرَّمادةِ في المدينة وما حولها فالأمرُ أعجبُ.

لقد كشفتِ المجاعةُ الواقعةُ في عهدِ عمر عن قوَّةِ عمرَ وعدلِه، وعن نظرتِه للمسلمين وإنصافِه من نفسِه .. كيف لا والخليفةُ عمرُ يُقسِمُ أن لا يأكلَ سمنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناسُ (٢).

ولقد كتبَ عمرُ -رضي الله عنه- إلى أمرائِه على الأمصارِ مستصرِخًا مستغيثًا ويقول: «مِن عبدِ الله عمرَ أميرِ المؤمنين إلى فلانِ بن فلان، أما بعدُ: فإنَّ العربَ قد دفَّت إلينا ولم تَحمِلْهم بلادُهم، ولا بدَّ لهم من الغَوْثِ، الغوثَ، الغوثَ .. حتى ملأَ الصحيفةَ، فربما كان في الصحيفةِ مائتا مرةٍ (٣).

وكان أمراؤُه عندَ حسنِ الظنِّ بهم وعند حدودِ المسؤوليةِ المُناطةِ بأعناقِهم، وهذا يزيدُ بنُ أبي سفيان -وهو أحدُ الأمراءِ في الشام- يَردُّ على الخليفةِ بقوله:


(١) الطبقات الكبرى ٣/ ٣٢٩.
(٢) الطبقات ٣/ ٣١٢.
(٣) عمر بن شبة: تاريخ المدينة ٢/ ٧٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>