للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها ومَلءِ القلوبِ بها، وتسييرِ الجوارحِ على مقتضاها - إنه كسبٌ عظيمٌ وتجارةٌ رابحة - نسألُ الله أن يُعِينَنا على تحقيقِ التقوى؛ ومساكينُ مَنْ دخل عليهم رمضانُ وخرج ورصيدُ التقوى جامدٌ لا يتحرَّك، أو يتحرَّكُ ببطءٍ لا يكاد يُرى، إنني أدعو نفسي وإياكم إلى تحقيقِ التقوى، وأفتحُ لنفسي ولكم مشاريعَ تُسهِمُ في تحقيق التقوى، ومَن عمل صالحًا فلنفسِه ومَن أساءَ فعليها.

أيها المسلمون: وأولُ هذه المشاريعِ الجالبةِ للتقوى التوبةُ النَّصُوحُ، فالتوبةُ هي بدايةُ الطريقِ ونهايتُه، وهي وظيفةُ العمر، وبدايةُ العبدِ ونهايتُه، ودليلُه إلى الخيرِ وسائقُه. وهي المنزلةُ التي يفتقرُ إليها السائرون إلى اللهِ في جميعِ مراحلِ سفرِهم، وحيث حلُّوا أو ارتحلوا.

إنَّ التوبةَ ليست من منازلِ العُصاةِ والمُخلِّطين فحسبُ كما يظنُّ كثيرٌ من الناس - وإن كان هؤلاء العصاةُ أَحْوجَ من غيرِهم إليها - بل هي عامَّةٌ للطائعين والعابدين، وهذا سيدُ الطائعين وإمامُ العابدين محمدٌ صلى الله عليه وسلم يخاطبُ الناسَ كافةً ويقول: ((يا أيُّها الناسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإني أتوبُ إلى الله في اليوم مائةَ مرةٍ)) رواه مسلم.

وأهلُ الإيمان يُدعَوْنَ للتوبةِ ويقول سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١).

إنه نداءُ الرحمن، أفلا تستجيبُ للديَّان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (٢).


(١) سورة النور، الآية: ٣١.
(٢) سورة التحريم، الآية: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>