للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَروْنَ، لأنَّ الله قد كتبَ الموتَ على بني آدم فهمُ مُتَوفَّوْنَ، وأكْيسُهم أطوَعُهم لربِّه وأعملُهم ليومِ معادِه (١).

ثم استخلفَ من بعدِه معاذَ بنَ جبلٍ رضي الله عنه ليُصلِّيَ بالمسلمين وشاء الله - بعد فترةٍ وجيزةٍ من الزمن - أن يلحقَ معاذٌ بأخيه أبي عُبَيدة وأن يصيبَه ما أصاب صاحبَه .. وعلى فراشِ الموتِ، والناسُ يَغْدُون على معاذٍ يزورونَه ويدْعُونَ له بالعافيةِ والسلامة، كان يَعِظُهم ويذكِّرهم، ومما قاله لهم:

أيها الناسُ: اعملوا وأنتم تستطيعون العملَ من قبلِ أن تتمنَّوا العملَ فلا تجدونَ إلى ذلك سبيلًا، أيها الناس: أَنفِقُوا مما عندَكم ليومِ مَعادِكم من قبلِ أن تَهلِكوا وتَذرُوا ذلك كلَّه ميراثًا .. ثم أوصاهم بالعلمِ تَعلُّمًا وتعليمًا وأبان لهم عن شيءٍ من فضلِ العلم، وفضائلِ العلماءِ حين قال: عليكم بطلبِ العلمِ فاطلُبوه وتعلَّموه فإنَّ طلبَه عبادةٌ، وتعلُّمَه لله خَشْيةٌ، ومذاكرتَه تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ، وتعليمَه لمن لا يعلمُه صَدَقةٌ، وبذْلَه لأهلِه قُربةٌ .. إلى قوله: يرفع اللهُ عز وجل بالعلم أقوامًا فيجعلُهم في الخيرِ قادةً يُقتدَى بهم، وأئمةً في الخير يُقتَصُّ آثارُهم، ويُهتدَى بهدايتِهم وأفعالِهم، ويُنتَهى إلى رأيهم، ترغبُ الملائكةُ في خُلَّتِهم، وبأجنحتِها تمسحُهم، يستغفرُ لهم كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وحيتانُ البحرِ وهوامُّه، وسباعُ البرِّ وأنعامُه، لأن العلمَ حياةُ القلوبِ من العَمَى ونورُ الأبصار من الظُّلمة، وقوةُ الأبدانِ من الضعف، يبلغُ العبدُ بالعِلم منازلَ الأبرار، ومنازلَ الملوك، والدَّرجاتِ العُلى في الدنيا والآخرة .. ألا وإن المتقينَ سادةٌ، والفقهاءَ قادةٌ (٢).


(١) الفتوح لابن أعثم الكوفي ١/ ٢٣٨.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢٤٢، ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>