للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبةُ الثانية:

الحمدُ لله العليِّ الأعلى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلَى، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه طاب حيًا وميتًا، اللهم صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين.

إخوةَ الإسلام: ما رُزئَ المسلمون بفَقْدِ أحدٍ كما رُزِئوا بفقدِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومِن فِقْه أبي بكرٍ وحصافةِ رأيِه أنه جاء إلى المسلمين والمصابُ فيهم بلغَ مبلغَه .. فتقدَّمهم خطيبًا وقال: أيها المسلمون، من كان يعبدُ محمدًا فإن محمدًا قد ماتَ، ومن كان يعبدُ اللهَ فإن الله حيٌّ لا يموتُ .. ثم تلا قولَه تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (١).

وأبو بكرٍ أقربُ الناسِ إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأكثرُهم خُلَّةً له وأعظمُهم إيمانًا به وبما جاء به - لكنه الفِقهُ والثباتُ ومواصلةُ الطريقِ الذي ابتدأَه، وفعلًا قام أبو بكرٍ بالمهمَّةِ والدعوةِ إلى الإسلام وحَفَلَتْ خلافتُه القصيرةُ الأمدِ بجلائلِ الأعمالِ، ومن أعظمِها حربُ المرتدِّين وتثبيتُ الدِّين في قلوب المرتابين بعد موتِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وجمعُ القرآن، وابتدأَ حركةَ الفتحِ الإسلاميِّ في الشامِ والعراق.

والأمةُ على مرِّ العصور كانت تفقِدُ خِيرةَ رجالاتِها، فلا تهِنُ عزائمُهم ولا يتوقَّفُ مدُّهم .. بل هي أُمةُ أبدالٍ .. أمةٌ وَلُودٌ كلَّما مات سيدٌ منها قامَ آخرُ وهكذا.


(١) سورة آل عمران، الآية: ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>