للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعَمْ إنَّ الحياةَ ليستْ لهوًا ولعبًا وأكلًا وشربًا وضحكًا وأُنسًا ثمَّ لا شيءَ بعدهُ، وإنَّ الزمانَ مسؤوليةٌ وميدانٌ للحرثِ.

أمّا الفراغُ فهوَ قاتلٌ بطيءٌ، سواءٌ كانَ فراغًا عقليًا، يعيشُ صاحبُه بلا هدفٍ، أو فراغًا قلبيًا حينَ يفرغُ القلبُ منَ الإيمانِ الحقِّ ولذةِ العبوديةِ والطاعةِ لله، أوْ فراغًا نفسيًا بحيثُ تحيطُ بهِ الشكوكُ والأوهامُ وتقتلُه الظنونُ والوساوسُ.

يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ! إنَّ منْ فضلِ اللهِ عليكَ أنكَ تختلفُ عنْ غيرِكَ في تقديرِ قيمةِ هذهِ الحياةِ .. وتختلفُ عنْ غيركَ في الإيمانِ بالحياةِ الحقيقيةِ {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (١).

وكمْ يهزُّك هذا الحديثُ النبويُّ حينَ تُرعى له سمْعَك وجوارحَكَ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربعٍ: عنْ عُمرِه فيما أفناهُ، وعنْ شبابِهِ فيمَ أبلاهُ، وعنْ مالِه منْ أينَ اكتسبَه وفيمَ أنفقهُ، وعنْ عِلْمِهِ ماذا عملَ بهِ)) (٢).

إنَّ العُمرَ أمانةٌ، والشبابَ والطاقةَ أمانةٌ، والمالَ أمانةٌ، والعلمَ أمانةٌ .. ويومَ تَرعى هذه الأماناتِ كلَّها وتعتقدُ أنك مسئولٌ عنها فذلكَ بدايةُ الفلاحِ، ومؤشِّرُ السعادةِ، وفرْقٌ بينَ هذا الصنفِ الواعي لرعايةِ هذه الأماناتِ أوْ سواها مما ائتمنَ اللهُ، وبينَ مَنْ يخوضُ ويلعبُ، ويتخبَّطُ حتى تفجأَه المنيّةُ، ويثويَ العمرُ، ويَنخرمَ الشبابُ، ويُورَثَ المالُ.

أيها المسلمُ: شابًا كنتَ أوْ شيخًا أنتَ على خيرٍ ما دمتَ ترعى حقوقَ اللهِ وتأتمرُ بأمرِه وتنتهي عندَ نواهِيهِ، فالشابُّ الذي ينشأ في طاعةِ اللهِ أحدُ السبعةِ


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٤.
(٢) حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>