للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخُبثِ طويَّتِهم، ولذا فلا يُرى أحدُهم إلا وهو محاصَرٌ مكدودٌ، أو محدودٌ أو مجلودٌ .. أو معتذرٌ مكشوفٌ؟

أما اليومَ فالنفاقُ صرحٌ ممرَّدٌ، وقواعدُ وجيوشٌ تتحركُ، وقلاعٌ تُشيَّدُ إنه اليومَ دولةٌ بل دولٌ ذاتُ هيئاتٍ وأركانٍ، وأحلافٌ وتكتلاتٌ ومعسكراتٌ وسلطانٌ .. سلطانٌ سياسيٌّ واقتصاديٌّ وإعلاميٌّ وثقافيٌّ يُمارسُ الضرارَ في كلِّ مضمارٍ؟ !

ومنْ هنا -معاشِرَ المسلمينَ- وجَبَ الحذرُ والتحذيرُ منَ النفاقِ، وكشفُ المنافقينَ ويكفيكَ -يا أخا الإسلامِ- أن تُطالعَ في القرآنِ وفي صحيحِ السنةِ والسيرةِ النبويةِ -كشفَهم وملامحَهم وأساليبَهم- فبضاعتُهم الحَلِفُ والكذبُ {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: ١٥].

وسيماهُم لمزُ المطِّوعينَ منَ المؤمنينَ، أنهُمْ بُخلاءُ جُبناءُ، حائرونَ مترددونَ كالشاةِ العائرةِ بِينَ الغنَميْنِ (١) وهيَ المترددةُ بينَ قطيعينِ لا تدري أيَّهما تتبعُ: مذبذبونَ في توجهاتِهم وسلوكياتِهم لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاءِ منكوسةٌ فطرُهم إذْ يأمرونَ بالمنكرِ وينهونَ عنِ المعروفِ، ومعوجَّةٌ أخلاقُهُم إذ يحلفونَ على الكذبِ وهمْ يعلمونَ، ومطبوعٌ على قلوبِهم فهمْ لا يفقهونَ، مظاهرُ جوفاءُ رعاديدُ عندَ المواجَهةِ واللقاءِ {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: ٤].

أركسَهُمُ اللهُ بما كَسبوا .. وفي الفتنةِ سقَطوا، يُقلِّبونَ الأمورَ، ويسخرونَ بالمؤمنينَ، ومن هَلَعِهم وفَرَقِهم {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجًا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: ٥٧] ألسنتُهُم -ظاهرًا- مع المسلمينَ وقلوبُهم معَ الكافرينَ {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ} [التوبة: ٥٦] يخشَوْنَ الدوائرَ


(١) مسلم والنسائي جامع الأصول («/ ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>