للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذخور فيها من قوة واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلاً ..

وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد فلا تستبقي عريزًا ولا غاليًا، إلا وتبذله هينًا رخيصًا في سبيل الله.

وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر .. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله ..

وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر معها قرار، فيظل الفراغ قائمًا حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر لاستبقائه. «من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية، وللنصير تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفائه أسبابه، وأداء ثمنه، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه».

وقد تبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندًا إلا الله ولا متوجهًا إلا إليه وحده في الضراء .. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله .. فلا تغطى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله به.

وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>