للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (١).

وهاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينةِ وابتدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ منَ الجهاد، فقريشٌ لمْ تكفَّ عنْ مطاردةِ المؤمنينَ وهمْ خارج حدودِها، وكانتْ غزوةُ الأحزابِ ذروةَ الصراعِ بين الحقِّ والباطلِ، حيثُ تجمعتِ الأحزابُ وتألَّفتْ الأعداءُ وتحالفَ اليهودُ مع المشركين، وانضمَّ إليهمُ المنافقون في مشهدٍ زلزلَ المؤمنين، وزاغتِ الأبصارُ وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ .. فلما صدَقَ المسلمونَ معَ ربِّهم وثَبتوا مع نبيِّهم جاءَ الفرجُ، ودافعَ اللهُ عن أوليائه {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (٢).

وما فتئ اليهودُ يتحرشونَ بالمسلمين، تارةً، ويتحيَّنونَ الفرصةَ للقضاءِ على الرسولِ صلى الله عليه وسلم أخرى، حتى أبطلَ اللهُ كيدَهم وخُضِّدَت شوكتُهم، بلْ دخلَ في الإسلام مُنقادًا منْ فتحَ اللهُ على قلبهِ منهم.

وهكذا النصارى أجلَبوا على المسلمين، وهمُّوا باقتحامِ المدينةِ، فأرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه لمنازَلَتهم وكانتْ وقعةُ مؤتة، ورغمَ ما فيها منْ شهداءِ المسلمينَ بدايةّ لجهادِ النصارى، حتى تحطمتْ دولُتهم، وورثَ المسلمونَ أرضَهم وديارَهم، ومنْ يتأملُ الفرقَ بينَ (مؤتَة) في السنةِ الثامنةِ للهجرة، واليرموكَ في السنةِ الثالثةِ عشرةَ أو الخامسةَ عشرةَ- كما قالَ المؤرخون- يرى أنَّ فارق الزمانِ ضئيلٌ بين قوةِ الرومِ العظمى في مؤتة، وبينَ تحطيمِ قوتِهم وانتصارِ المسلمين عليهم في اليرموك.


(١) سورة الإسراء، الآيتان: ٧٦ - ٧٧.
(٢) سورة الأحزاب، الآيتان: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>