للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ قسوةَ القلوبِ -يا عبادَ الله- مرضٌ عضالٌ لا بدَّ مِنَ المسارعةِ بعلاجه، ولقد حُذرتْ هذهِ الأمةُ من ذلكَ وضُربتْ لها الأمثالُ لتحذرَ هذا المسلَك {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (١).

٤ - لا بدَّ منَ التغييرِ في النفوسِ للأصلح: فثمَّة سنةٌ ربانيةٌ قال اللهُ عنها:

{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٢)، والتغييرُ في مألوفاتِ النفوسِ صعبٌ في البداية، ولكنهُ مُثمرٌ في النهاية، والصبرُ على مرارةِ الدواءِ ابتداءً أيسرُ منْ معاناةِ المرضِ ومخلَّفاتهِ، وربما أدى المرضُ إلى الوفاة.

إنَّ الفردَ الجادَّ هو الذي يُذلِّلُ نفسَه ويوطنُها على التحولِ منْ حالٍ إلى أخرى أحسنَ منها، والأمةُ الجادةُ هي التي تطوَّع أبناءَها على التغييرِ للأصلح، ومنْ قرأ عنْ عظماءِ التاريخِ أو عن الأممِ المنتصرةِ وجدَ بداياتٍ جادةً في التغييرِ قادتْ إلى النصرِ والسؤدُد.

إنَّ مجرَّد التمنِّي لا يصنعُ منَ الفردِ ولا منَ الأممِ شيئًا يُذكر، وتعليقُ أخطائِنا على غيرِنا لا ينقلُنا من حالِ الذلِّ والمهانةِ إلى مراقي العزِّ والكرامة، وإذا وُجدَ في الأممِ غيرِ المسلمةِ دولٌ ضُربتْ حتى كادتْ تنتهي من الوجودِ فأعادتْ نفسَها بجدِّ وألزمتْ شعبَها بنوعٍ من التربيةِ والعمل، فعادتْ قوتُها منْ جديد، وبرزتْ في ميدانِ الصراعِ العالمي منافسًا يُحسبُ له الحساب.

أفتعجزُ أمةُ الإسلامِ وحاملةُ القرآنِ أنْ تُعيدَ نفسَها وترتبَ صفوفَها، وتنهضَ


(١) سورة الحديد، الآية: ١٦.
(٢) سورة الرعد، الآية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>