للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملكُ أنَّ بأيدينا منَ النصارى أهلِ الذمةِ والأمانِ ما لا يُحصي عددَهم إلا اللهُ، ومعاملتُنا فيهم معروفةٌ، فكيفَ يعامِلونَ أسرى المسلمينَ بهذه المعاملةِ التي لا يرضى بها ذو مروءةٍ ولا ذو دين؟ » (١).

أيها المسلمون: وإذا كانَ هذا طرفًا منْ مواقفِ العلماءِ معَ أسارى المسلمين، فدونكم طرفًا منْ مواقفِ الأمراءِ والولاةِ مع الأسرى.

فعمرُ بنُ عبدِ العزيز -رحمهُ الله- يكتبُ إلى بعضِ عمَّالِهِ: أنْ فادِ بأسارى المسلمين، وإِنْ أحاطَ ذلكَ بجميعِ ما عندهمْ مِنَ المال.

وسمعَ الحكمُ بنُ هشامٍ أميرُ الأندلسِ أنَّ امرأةً مسلمةً أُخذتْ سبيّةً فنادتْ: واغوثاهُ يا حكَم! فعظُمَ الأمرُ عليهِ وجمعَ عسكَرَهُ واستعدَّ وحشدَ وسارَ إلى بلادِ الفرنجِ سنةَ ستًّ وتسعينَ ومائة، وأثخنَ في بلادِهم وافتتحَ عدةَ حصون، وخرَّب البلادَ ونهبَها، وقتلَ الرجالَ وسبي الحريمَ، وقصدَ الناحيةَ التي كانتْ بها تلكَ المرأةُ التي خلَّصَها من الأسرِ، ثمَّ عادَ إلى قرطبةَ ظافرًا.

أما المنصورُ بنُ أبي عامرٍ فهوَ -كما قال الذهبي- البطلُ الشجاعُ الغزَّاءُ العالِمُ، جمُّ المحاسن، كثيرُ الفتوحات، ملأَ الأندلسَ سبْيًا وغنائمَ، وأكثرَ منْ غزوِ النصارى، حتى اجتمعَ لهُ من غبار المعاركِ التي خاضَها ما عملتْ منهُ لَبِنةٌ وأُلحدَتْ على خدِّه، أو ذُرَّ ذلك على كفنِهِ .. (٢).

هذا البطلُ المغوارُ ساقَ له الذهبيُّ موقفًا رائعًا في فكِّ أسرى المسلمينَ فقال: ومنْ مفاخرِ المنصورِ أنه قدِمَ منْ غزوةٍ، فتعرضتْ له امرأةٌ عندَ القصرِ فقالتْ: يا منصور، يفرحُ الناسُ وأبكي؟ إنَّ ابني أسيرٌ في بلادِ الرومِ، فثَنى عنانَه


(١) الفتاوى ٢٨/ ٦٢٢.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٧/ ١٥، ١٦، ١٢٣، ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>