للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التقصير في حقِّ ذي الحقِّ .. وهذا يَدعمُه الصيامُ ويقوِّيه رمضانُ، والصائم بحِفْظه لصيامِه يراقبُ اللهَ ويستحي منه، إذ كيف يُقدِمُ على منكرٍ من القول أو الفعل وهو صائمٌ، ويستحي أن يؤذيَ مسلمًا وهو صائم، وهكذا يَغلِبُه الحياءُ كلما همّت نفسُه الأمّارةُ بالسوءِ بما يَخرِمُ الصيامَ ولا يتناسب وشهرَ الصيامِ ..

ألاَ ما أحوجَنا إلى الحياء في حياتنا كلِّها، والحسنُ رحمه الله يقول أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان عاقلًا، ومن تعلّق بواحدةٍ منهنَّ كان من صالِحِي قومِه: دينٌ يُرشِدُه، وعقلٌ يُسدِّدُه، وحَسَبٌ يصونُه، وحياءٌ يقودُه.

ومن حِكَم الشِّعر:

ولقد أَصرفُ الفؤادَ عن الشيءِ ... حياءً وحبُّه في الفؤاد

أُمسِكُ النفسَ بالعفافِ وأُمسي ... ذاكرًا في غدٍ حديثَ الأعادي

أيها المسلمونَ: أما (الحِلْم) وما أدراك ما الحِلمُ؟ ذلك الخلق العزيزُ، فلِلصَّوم تأثيرٌ ظاهرٌ فيه، كيف لا والصائمُ يُقال له: «وإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتَلَه فبيقلْ: إني امرُؤٌ صائمٌ» أخرجاه في «الصحيحين».

إن الصائمَ تهدأُ نفسُه ويسيطر على مشاعرِه، ويتنازلُ عن جهلِ الآخرين عليه، ولا يُستفَزُّ فينتقمُ لنفسه، بل يعفو ويصفحُ ويتجاوز ويَغفِر .. وهذا مِقْودُ الحِلْم والصَّفح وإن قَدِروا على المجازاةِ والانتقام، وفي هذا يُذكَر أن الأحنفَ بنَ قيسٍ شَتَمَه رجلٌ وجعل يَتْبعُه حتى بلغ حَيَّه، فقال له الأحنف: يا هذا، إنْ كان بقيَ في نفسِك شيءٌ فهاتِه وانصرِفْ، لا يَسمَعْك بعضُ سفهائنا فتلقى ما تكرَهُ .. وذا تغنَّى الشعراءُ بهذه النوعيةِ من الأصحاب التي تقتربُ من صاحبها وإن جَفَى عليها، ويقول أحدُهم (أبو العتاهيَة):

<<  <  ج: ص:  >  >>