للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وافدُ المسلمينَ على (قيصرَ) - فبكيتُ واشتدَّ بكائي وارتفعَ صوتي، فقالَ (قيصرُ): ما يبكيك؟ ألِنَفْسِك تبكي، أمْ له، أم لأهلِ دينِكَ؟ قلتُ: لكلٍّ أبكي، قال: فابكِ لنفسكَ ولأهلِ دينك، فأما عمرُ فلا تبكِ له، فإنَّ اللهَ لمْ يكنْ ليجمعَ عليهِ خوفَ الدنيا وخوفَ الآخرة، ثمَّ قال: ما عجبتُ لهذا الراهبِ الذي تعبدَ في صومعته وتركَ الدنيا، ولكن عجبتُ لمن أتتْهُ الدنيا منقادةً حتى صارتْ في يدهِ ثمَّ خلّي عنها (١).

سابعًا: منْ سلوكياتِ عمرَ، يروعكَ في شخصيةِ الخليفةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ عدةُ جوانبَ سلوكيةٍ مضيئة .. فهو الصادقُ الأمين، وما حملتْهُ مسئولياتُه وتعاملاتُه على الكذب، بلْ قالَ عنْ نفسه: ما كذبتُ منذُ علِمتُ أنَّ الكذبَ يضرُّ أهلَه (٢).

وهو المتواضعُ رغمَ ما قدَمهُ لإسلامِهِ وأمَّتهِ، وقدْ قالَ رجلٌ لعمر جزاكَ اللهُ عن الإسلامِ خيرًا، قال: بلْ جزى اللهُ الإسلامَ عني خيرًا (٣).

وهو الزاهدُ رغمَ أبَّهةِ الملكِ وسلطانِ الخلافة، ولذا قالَ مالكُ بنُ دينار: الناسُ يقولونَ: مالكُ بنُ دينارَ زاهدٌ، إنما الزاهدُ عمرُ بنُ عبدِ العزيز الذي أتتْهُ الدنيا فتركَها (٤).

وهوَ الصائمُ القائمُ رغمَ أعباءِ الخلافة، والقارئُ لكتابِ اللهِ وإنْ كَثُرتْ مسئولياتُهُ، فقدْ وردَ أنهُ كانَ يصومُ الاثنينِ والخميسَ (٥) وكان قلَّما يَدَعُ النظرَ في المصحف (٦).


(١) السير ٥/ ١٤٣.
(٢) السير ٥/ ١٢١.
(٣) السير ٥/ ١٤٧.
(٤) الحلية ٥/ ٢٥٧.
(٥) الطبقات ٥/ ٣٣٣.
(٦) الطبقات ٥/ ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>