للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثامنًا: عمرُ الناصحُ لولاتِهِ وأمتهِ: لم يألُ، عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ النصحَ لولاتهِ وعمومِ المسلمين، كتبَ يومًا إلى أحدِ عمالِهِ يقول: أما بعدُ، فإني أوصيكَ بتقوى اللهِ ولزومِ طاعته، فإنَّ بتقوى اللهِ نجا أولياءُ اللهِ منْ سخطِه، وبها تحقَّق لهمْ ولايتُه .. التقوى عصمةٌ في الدنيا منَ الفتن، والمخرجُ منْ كربِ يومِ القيامة .. إلى أنْ يقول: فقدْ رأيتُ الناسَ كيفَ يموتونَ وكيفَ يتفرقون، ورأيت الموتَ كيفَ يعجلُ التائبَ توبَته، وذا الأملِ أملَه، وذا السلطانِ سلطاَنه، وكفى بالموتِ موعظةً بالغةً وشاغلًا عن الدنيا، ومرغبًا في الآخرة إلخ ... (١).

ونصحَ عمرُ المستترينَ بالمعاصي عنْ أعينِ الخلقِ، وعينُ اللهِ ترقبُهم فقال: يا معشرَ المستترين، اعلموا أنَّ عندَ اللهِ مسألةً واضحة، قالَ اللهُ تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢). (٣).

ونصحَ عمرُ عمومَ المسلمينَ بعدمِ الاغترارِ بالدنيا ... وقدْ تصورَ حالَ أهلِ القبورِ وما آلوا إليهِ وما كانوا مشغولينَ به، وحذرَ من الغفلةِ، والغرورِ، وتمثلَ قولَ القائل:

تُسَرُّ بما يفنى وتُشغلُ بالصِّبا

كما غُرَّ باللذاتِ في النومِ حالمُ

نهارُكَ يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ

وليلُكَ نومٌ والردى لكَ لازمُ

وتعملُ فيما سوفَ تكره غِبَّهُ

كذلكَ في الدنيا تعيشُ البهائمُ (٤)

ولمْ ينسَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ نصيحةَ منْ سيخلفُه، فقدْ كتبَ إلى يزيدَ بنِ عبدِ الملكِ حينَ حضرهُ الموتُ يقول: سلامٌ عليكَ أما بعد، فإني لا أراني إلا


(١) حلية الأولياء ٥/ ٢٧٨.
(٢) سورة الحجر، الآيتان: ٩٢، ٩٣.
(٣) الحلية ٥/ ٢٨٨.
(٤) السابق ٥/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>