للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثله، فقلتُ: يا عبدَ الله، من أين أقبلتَ؟ قال: من العراق، قلتُ: ما خبرُ الناس؟ قال: اقتتل الناسُ (بنهاوند) ففتحها الله، وقُتل ابنُ مُقرِّن، والله ما أدري أيُّ الناسِ هو، ولا ما نهاوندُ. وما زال الخليفةُ عمرُ يسأل الأعرابيَّ حتى قال له: لعلك تكونُ لقيتَ بَرِيدًا من بُرُد الجنِّ، فإن لهم بُرُدًا (١).

وبعد فترةٍ وجيزةٍ جاء البشيرُ إلى عمرَ وكان السائبَ بن الأقرع .. فقال له عمر- بلهفٍ-: ما وراءَك؟ قال: فتحَ اللهُ عليك واستُشهِدَ الأمير .. واختلطتْ المشاعرُ وتداخلتِ الأحاسيسُ عند عمرَ .. فرَحٌ وحزنٌ، ودموع للنصرِ وأخرى لاستشهادِ القائدِ المظفَّر .. واعتلى عمرُ المنبرَ، ونعى إلى المسلمين النعمانَ بن مقرِّن، وبكى .. وبكى حتى نَشَجَ .. وشاركه المسلمون البكاءَ .. ولكنَّ عمرَ والمسلمين استبشروا بالنصرِ والفتح.

أما النعمانُ بن مقرِّن ففي سهلٍ فسيحٍ ممتدٍّ في نهاوندَ دُفن، ودُفن معه جنودُه الشهداءُ الأوفياء- يُشهِدون الناسَ على أنهم الأوفياءُ لدِينِهم ويَشهَدُ اللهُ على أنهم المجاهدون في سبيل الله، المتعالُون على حُطامِ الدنيا وزينتِها، وبمثلِ أولئك الرجالِ ينتصرُ الإسلام ... وبمثلِ هذه العيِّناتِ يُرجَف بالأعداء، وبمثل هذا الصدقِ والإخلاص ينتصرُ المسلمون، ينتصرون وإن قدَّموا أنفسَهم شهداءَ، ويفرَحون وإنْ خُيِّلَ للعدو أنه أَلقاهم صَرْعى، وصدق اللهُ العظيم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (٢).


(١) الذهبي: سير أعلام النبلاء ٢/ ٣٥٧، قال المحقق: إسناد الرواية ثقات.
(٢) سورة آل عمران، الآيتان: ١٦٩، ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>