للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدقِ والتزامهِ الصدق): يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنما نجَّاني بالصِّدق، وإنَّ منْ توبتي أنْ لا أُحدِّثَ إلا صادقًا ما بقيتْ، ثمَّ يقول: فواللهِ ما أعلمُ أحدًا منَ المسلمينَ أبلاهُ اللهُ في صِدْقِ الحديث- منذُ ذكرتُ ذلكَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم- أحسنَ مما أبلاني، ما تعمَّدتُ منذُ ذكرتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذِبًا، وإني لأرجو أنْ يحفظَني اللهُ فيما بقيتُ ..

وليسَ يخفى أنَّ اللهَ أثنى على صدقِ هؤلاء .. ودعا المسلمينَ إلى التحلي بالصدق، كما في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (١).

فهلْ نصدقُ معَ اللهِ كما صدقَ كعبٌ وصاحباه؟ وهلْ نصدقُ معَ أنفسنا كما صدقوا معَ أنفسهم؟

أيها المؤمنون: وهنا سرٌّ عظيم، فأكابرُ الرجالِ والصادقونَ معَ اللهِ لا تزيدهمُ المواقفُ الصعبةُ إلا قوةً ورفعةً، وقدْ يكونُ صاحبُ الذنبِ التائبُ أفضلَ منهُ قبلَ الخطيئة، كما قالَ بعضُ السلف: كانَ داودُ عليهِ السلامُ بعدَ التوبةِ أحسنَ منهُ حالًا قبلَ الخطيئة، كذا نقلَ شيخُ الإسلامِ في «الفتاوى» (٢) ثم قال: والاعتبارُ بكمالِ النهايةِ لا بنقضُ البدايةَ (٣).

قالَ ابنُ حجر، ومنْ فوائدِ قصةِ الثلاثة: أنَّ القويَّ في الدينِ يؤاخذُ بأشدَّ مما يُؤاخذُ الضعيفُ في الدِّين (٤).

ومعَ ذلك، يقالُ عنْ أثرِ المعصيةِ ما قالهُ الحسنُ البصريُّ رحمهُ الله: يا سبحانَ


(١) سورة التوبة، الآية: ١١٩.
(٢) ١٥/ ٥٤.
(٣) السابق ١٥/ ٥.
(٤) الفتح ٨/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>